والمقام بها، وكان يقول: هاجر رسول الله عليه السلام منها. ذكر هشام في «نوادره» عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهم؛ قال: أكره إجارة بيوت مكة في أيام الموسم، وأرخص فيها في غير أيام الموسم، وهكذا روى هشام عن محمد عن أبي حنيفة رضي الله عنهم قال: وكان يقول لهم أن ينزلوا عليهم في دورهم إذا كان لهم فضل، وإذا لم يكن فلا، قال هشام: وإنما قال: لهم أن ينزلوا في دورهم لقوله تعالى: {سواء العاكف فيه والباد} (الحج:25) ، وإنما فرق أبو حنيفة رضي الله عنه بين أيام الموسم، وغيرها في كراهية الإجارة؛ لأن في أيام الموسم يزدحم الخلق، وتقع الضرورة في النزول في مساكنهم، فأنزل منازلهم كالمملوك للنازلين من وجه نظراً ومرحمة لهم، وبعد أيام الموسم ترتفع الضرورة، فيعاد إلى الأصل.
ثم هذه المسألة دليل على صحة أمر إجارة البناء بدون الأرض؛ لأن الإجارة ههنا لا ترد على الأرض عند أبي حنيفة رضي الله عنه كالبيع، وإنما ترد على البناء، وقد رخص فيها في غير أيام الموسم.
روي عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه: أنه كان يكره سجدة الشكر، وعن محمد أن أبا حنيفة كان لا يراها شيئاً، ويستحبها قال محمد: وقد جاء فيها غير حديث، وتكلم المتقدمون في معنى قول محمد، وكان أبو حنيفة رضي الله عنه لا يراها شيئاً؛ بعضهم قالوا: معناه لا يراها قربة، وهكذا ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء، وفي «القدوري» معناه كان لا يراها مسنوناً، وهو قريب من الأول، وبعضهم قالوا: معناه لا يراها شكراً تاماً، فتمام الشكر أن يصلي ركعتين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، ولم يذكر محمد رحمه الله قول أبي يوسف في شيء من الكتب وذكر القاضي الإمام الزاهد ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله في «شرح كتاب السير» قول أبي يوسف رحمه الله مع محمد رحمه الله، احتج بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل به زمانة فسجد، وأمر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فسجدا، وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه لما أتاه فتح اليمامة سجد، وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: السجود ركن من أركان الصلاة مفرداً، فلا يتقرب بها إلى الله تعالى على الانفراد تطوعاً قياساً على القيام المفرد، والركوع المفرد، وأما ما روي من الأحاديث قلنا: يحتمل أن المراد من السجدة المذكورة فيها الصلاة، فأهل الحجاز يسمون الصلاة سجدة، قال الله تعالى: {يا مريم اقنتي لربك واسجدي} (آل عمران:43) أي صلي، وإذا جاز تسمية الصلاة سجدة احتمل أن يكون المراد من الحديث الصلاة، فلا يكون حجة مع الاحتمال.
وبعض المتأخرين من مشايخنا قالوا: لم يرد محمد رحمه الله بقوله، وأما أبو حنيفة: فكان لا يراها شيئاً، نفي شرعيتها قربة، وإنما أراد به نفي وجوبه كذا ههنا، فعلى