وإن كان له عبدان اسم كل واحد منهما سالم، فهذا وما لو شهدا أنه أعتق أحد عبديه سواء هي المسألة التي تلي هذه المسألة، ولو شهدا أنه أعتق أحد عبديه فهذا على وجهين: إما إن شهدا أنه أعتق في حال حياة المولى بذلك والمولى يجحد، وفي هذا الوجه لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة، وعندهما تقبل ويقال للمولى من (أردت) ، وهذا بناءً على ما قلنا أن عند أبي حنيفة رحمه الله دعوى العتق من العبد بشرط، والدعوى من المجهول لا تتحقق.6
فإن قيل: كيف يجعل هذه المسألة بناءً على ذلك، فقد ذكر محمّد رحمه الله أنهما لو شهدا عليه أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله (337أ1) ودعوى الأمة ليس بشرط بلا خلاف، قلنا: دعوى الأمة إنما لا تشترط عنده إذا قامت البينة على عتق أمةٍ بعينها؛ لأن المحلية في عتق أمة بعينها حق الله تعالى لما فيه من تحريم الفرج، فأما إذا قامت البينة على عتق إحدى الأمتين فليس فيه تحريم الفرج على قوله، فقد عرف من أصله أن العتق المبهم لا يحرم وطأها بل يحل له وطأها، وبعد ما وطىء إحداهما يكون له حق البيان في الموطوءة، وإذا لم يوجد هذا العتق تحريم الفرج لم تكن الشهادة قائمة على أن المحلية فيه حق الله تعالى فكانت بمنزلة ما لو قامت على عتق أحد العبدين.
وإن شهدا بعد وفاة المولى أنه أعتق أحد عبديه في حال صحته فهو على وجهين: أما إن شهدا أنه أعتق أحد عبديه في حال صحته، وفي هذا الوجه لا تقبل هذه الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، فإن شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته فالقياس: أن لا تقبل هذه الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله، وفي الاستحسان: تقبل. ذكر القياس والاستحسان فيما إذا كانت الشهادة على إعتاق أحدهما في مرض موت المولى، ولم يذكر القياس والاستحسان فيما إذا كانت الشهادة في حال صحة المولى.
ولو شهدا بعد موت المولى أنه دبر أحد عبديه في حال الصحة، أو قالا: في حالة المرض تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة رحمه الله قياساً واستحساناً، وجه القياس في فصل المرض: أن هذه الشهادة قامت على عتق أحد العبدين حالة الحياة، فلا تقبل قياساً على ما إذا شهد أنه أعتق (أحد) عبديه في حالة الصحة.
وجه الاستحسان: أن المانع من قبول الشهادة على عتق أحد العبدين في حال حياة المولى خلوها عن الدعوى، وقد جدت الدعوى بعد الموت، إلا أن المشايخ اختلفوا في أن المدعي بعد موت الوصي أو العبدان فمنهم من قال: المدعي هو الوصي، وأنه عين والدعوى من المعين صحيحة، ومنهم من قال: المدعي هو العبدان وأنهما معينان وهو الصحيح وعليه عامة المشايخ، وإنما صحت دعوى العبدين بعد موت المولى إذا كان الإعتاق في حالة المرض؛ لأن الإعتاق في المرض وصية حكماً إن لم تكن وصية حقيقة، ولهذا يعتبر من الثلث، والثالث حكماً معتبر بالثالث حقيقة، ولو كانت الوصية بالعتق ثابتة حقيقة فالدعوى منهما صحيحة، وإنما يوجب الحق لأحدهما؛ لأن إيجاب الحق