سمع قوم من رجل أنه قال لعبده: هذا حر لوجه الله، ثم رأه معه بعد ذلك يقول: هو عبدي، فشهد أولئك القوم عليه أنه أعتقه أمس، فقال المشهود عليه أعتقه أمس، وأنا لا أملكه وإنما اشتريته اليوم، فالشهود يقولون: إنه أعتقه أمس، ولكن لا ندري أكان له أم لا، فالقاضي لا يقضي بعتق العبد حتى يشهدوا عليه أنه أعتقه وهو يملكه، قال: وكذلك الطلاق.

وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف: رجل أعتق أمة ثم اختصما عند القاضي وفي حجرها ولد وفي يدها كسب اكتسبته فقال المولى: أعتقتك بعد الولادة والكسب، وقالت المرأة: لا بل أعتقتني قبل الولادة والكسب فالقول قول المرأة. ولو قال: الكسب في يد المولى فالقول قول المولى، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.

وفي دعوى «الجامع» : ادعى رجل على رجل أنه عبده وجحد المدعى عليه، وقال: أنا حر الأصل لم أُمْلَكْ قط فالقول قوله وهذا معروف، فإن أقام المدعي بينة أن نصف العبد له قضى القاضي بنصف العبد له والنصف الآخر يكون موقوفاً لا يقضى فيه برق ولا حرية، لا..... يقضي بالرق؛ لأنه لا بد للقضاء من المقضي له ولا مقضي له ها هنا، وأما لا يقضي بالحرية إما بحرية الأصل؛ لأن القاضي لما قضى بالرق في النصف للمدعي فقد أبطل حرية الأصل في النصف الباقي؛ لأن الشخص لا يجوز أن يكون نصفه رقيقاً ونصفه حر الأصل، وإما بالحرية العارضة فلأن العارضة تبنى على الرق والملك، وتعذر القضاء بالرق، فالملك في النصف الباقي؛ لأن القضاء لا بد له من مقضي عليه معلوم، فلم يوجد، فإن جنى العبد جناية بأن قتل رجلاً خطأ قيل لولي القتيل: أعبد هو أم حر.

فإن قال: هو عبد قيل للمقضي له بنصفه ادفع هذا النصف وأمره بنصف الدية، ويوقف النصف الباقي فلا يقضى فيه بشيء؛ لأنه لا يدري أنه رقيق أو حر. وإن قال: هو حر لا يقضي بشيء لا على المقضي له بنصفه ولا على العبد. أما على المقضي له؛ لأنه لما قال: هو حر فقد أبرأ المقضي له، وأما على العبد فلأن الحرية لا تثبت بمجرد قوله، وفي القتيل بعدما قضى القاضي..... يأتي بالبينة، فإن أقام ولي القتيل بينة على الحرية كانت (بينة) الحرية أولى من بينة الرق، وينقضي بها الحكم للأول ولو. ولم يجن هذا الشخص ولكن جنى عليه فيما دون النفس يقضى على الجاني بأرش العبد، وهو في شهادته وحدوده وجميع أموره بمنزلة الرق؛ لأنه جرى الحكم برقه من النصف، والنصف الآخر حاله موقوف أنه رقيق أو حر فلا يمكن إيجاب شيء من أحكام الحرية من كل وجه.

وإذا شهد الشهود أنه أعتق عبده سالماً، ولا يعرفون سالماً وله عبد اسمه سالم، ولا عبد له غيره فإنه تقبل هذه الشهادة وقضي بعتقه؛ لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت عياناً، ولو عَايَنَا أنه أعتق عبده سالماً ولا يعرف له عبد بهذا الاسم إلا هذا قُضي بعتقه، كذا ها هنا، ثم إن كان سالم يدعي العتق فالمسألة على الوفاق، فإن كان لا يدعي فالمسألة على الخلاف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015