وإن زكت المشهود فإن أنفق المولى عليها على وجه التبرع أو أكلت في بيت المولى بإذن المولى فلا رجوع له عليها كما في سائر التبرعات. وإن أجبر القاضي المولى على ذلك أو أكلت في بيت المال بغير إذن المولى، رجع عليها بخلاف الطلاق.
والفرق وهو: أن الاستحقاق ههنا بحكم الملك وتبين أنه لا ملك في ذلك الوقت. إذ القاضي إنما يقضي بحريتها من الوقت الذي شهد به الشهود. فتبين أنهما أخذت بغير حق وثمة الاستحقاق باعتبار كونها محبوسة بحق الزوج، وتبين أنها محبوسة بحق الزوج في العدة.
ويستوي في جميع ما ذكرنا إن شهد الشهود بحريتها من «الأصل» : أو بحريتها بإعتاق وجد من المولى، إذ المعنى لا يوجب الفصل.
قال: أمة في يدي رجل ادعى رجل أنها لهُ. وأقام شاهدين فالقاضي يضعها في يدي عدل ما دام في مسألة الشهود لما قلنا: طلبت النفقة وفرض لها القاضي النفقة، ثم لم تزك الشهود وردت الجارية على المولى فالمولى لا يرجع بما أنفق على أحد لما قلنا، و (لو) زكيت الشهود وقضى القاضي بالجارية للمدعي، لم يكن للشهود عليه أن يرجع على المدعي؛ لأنه أنفق على جارية الغير بغير إذن ذلك الغير وهل يرجع بذلك على الجارية؟ على قول أبي حنيفة رحمه الله: لا يرجع وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: يرجع ويكون ذلك ديناً في ذمة الجارية تباع فيه إلا أن يقرّبه المقضي له؛ لأن القاضي لما قضى بالجارية للمدعي ظهر أن المدعى عليه كان عاصياً في حال ما أنفق عليها؛ لأنها في يد العدل ويد العدل يد المدعى عليه.
ولهذا لو هلكت في يد العدل ضمن المدعى (319أ1) عليه قيمتها فتبين أن الجارية استهلكت شيئاً من مال الغاصب ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله أن جناية المغصُوب على مال الغاصب هَدَرٌ كجناية المملوك على مال المالك، وعندهما معتبر كالجناية على مال الأجنبي وهي من مسائل «الزيادات» ، ثم عندهما إذا بيعت أو فداها المقضي له يرجع على المقضي عليه بالأقل من قيمتها ومن الفداء.
وكذلك لو رافعتهُ وهي في يده ففرض لها النفقة وأكلت شيئاً من ماله بغير إذنه؛ ثم استحقت فهذا والأول سواء يعني لم يصير ديناً في رقبتها عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما.
قال: وإن كان مكان الجارية عبد وباقي المسألة بحالها؛ لا يوضع العبد على يدي العدل إلا إذا كان المدعى عليه لا يحل كفيلاً بنفسهِ وكفيلاً بالعبد وكان المدعي لا يقدر على ملازمته. وكان المدعى عليه مخوفاً على ما في يدهِ بالإتلاف فحينذٍ يضعهُ القاضي على يدي عدل بخلاف الأمة، والفرق عرف في موضعه.
وكذا إذا كان المدعى عليه فاسقاً معروفاً بالفجور مع الغلمان، فالقاضي يضعه على يدي العدل وهذا لا يختص بالدعوى والبينة بل في كل موضع كان صاحب الغلام معروفاً بالفجور مع الغلمان فالقاضي يخرج الغلام عن يده ويضعهُ على يدي عدل بطريق الأمر