والفرق: وهو أن الدهن ههنا خفي وقعت الحاجة إلى إظهاره فأما الكسب فظاهر فكان التخليص عملاً لصاحب الدهن، فيكون أجره عليه. فأما الحنطة فحاصلة غير أنها مستورة، فكان التخليص عملاً لهما فكان الأجر عليهما. وكذلك الزيت والزيتون على هذا القياس.
قال محمد رحمه الله: لو أن رجلاً ذبح شاة ثم أوصى لرجل بلحمها وللآخر بجلدها فالتخليص عليهما إذا لم يبق من الثلث شيء كما في الحنطة والتبن، فإن كانت الشاة حيّة وباقي المسألة بحالها فأجر الذبح على صاحب اللحم؛ لأن اللحم لا يحصل إلا بالذبح، فأما الجلد حاصل من غير ذبح؛ لأنها وإن كانت ميتة يحصل الجلد ثم أجر السلخ عليهما؛ لأن منفعة السلخ يحصل لهما.
النوع الثاني في إيجاب النفقة في الملك الموقوف
قال: ولو شهد شاهدان على رجل في يديه أمة أن هذهِ الأمة حرة قبل القاضي هذه الشهادة ادعت الأمة ذلك أو جحدت ويضع القاضي الأمة على يدي عدل، ما دام في مسألة الشهود هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» : وذكر محمد رحمه الله في «الجامع» : أن القاضي يضعها على يدي امرأة ثقة ويستوي فيه أن يكون المولى عدلاً كما في طلاق المرأة على مامر قبل هذا، فإن طلبت النفقة بعدما وضعها القاضي على يدي عدل، فرض لها القاضي النفقة على الذي كانت في يديهِ وهو المولى الظاهر، لأن نفقتها كانت واجبة عليه قبل قيام البينة، فإن كانت البينة صدقة يسقط نفقتها عنه؛ وإن كانت كذبة لا يسقط. وإن صارت ممنوعة عن المولى؛ لأن نفقة المملوك لا يسقط عن المولى؛ وإن كان ممنوعاً عن المولى على ما يأتي بعدما أوقع الشك في سقوط النفقة فلا يسقط بالشك. وقول محمد رحمه الله: في «الكتاب» : إن القاضي. يفرض لها النفقة، ليس المراد منه الفرض حقيقة، لأن مولاها ظاهر ونفقة المملوك لا يصير ديناً على المولى فيما مضى. وإن أفصل بها القضاء أداء المملوك لا يستوجب على مولاه ديناً ولكن المراد منه أن القاضي يقدر لها نفقة ويجبره على أدائها فالفرض هو التقدير. قال الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (البقرة: 237) أي: قدرتم.
فإن أخذت نفقتها شهراً، ثم لم يذكر الشهود ورُدَّتْ الأمة على مولاها لا يرجع المولى عليها بما أنفق.
وفي المنكوحة إذا كانت مدخولاً بها وفرض القاضي لها النفقة، ولم تزك الشهود، وُرُدَّتْ المرأة على الزوج. فالزوج يرجع عليهما بما أنفق وفي المسألتين جميعاً تَبَّينَ أن كل واحد منهما منكوحة ومملوكة منعتا عن الزوج والمولى لا لمعنى من جهة الزوج والمولى إلا أن المنكوحة إذا امتنعت من الزوج لا لمعنى من جهة الزوج تسقط نفقتها عن الزوج لما مرَّ قبل هذا. والمملوكة إذا امتنعت عن المولى لا لمعنى من جهة المولى لا تبطل نفقتها؛ لأن نفقة المملوك بعلة الملك؛ والملك باقٍ في هذه الحالة.