رأيته ببغداد سنة خمس وخمسين وأربعمائة، فوجدته وقد شدَّ على الأدب الجزل أزرار ثيابه، وقع أقسام الفضل ملء إهابه، وذكرته في خطبة هذا الكتاب، عند ذكر السادة الأرباب، وفرغت ثمة مما يليق بهذا الباب، وكان قد أعارني صدراً صالحاً من فوائده، وأهدى إلي قدراً كافياً من فرائده، ولم تمتعني الأيام بها، وزاحمتني الحوادث فيها حتى عدمت من فضل ربيعها زهراً وورداً، وبقيت بعدها كالسيف فرداً. أنبأنا الشذباني، أخبرنا عبد الكريم بن محمد المروزي، أنبأنا أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب بقراءتي عليه في داره، أنبأنا أبو علي بن شبل قراءة عليه في المحرّم سنة ثمان وستين وأربعمائة، أنبأنا الأمير أبو محمد بن المقتدر بالله، حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكريّ، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى، حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثني الحسن بن موسى الأنصاريّ، حدثني أبو عزَّة المازني قال: يقال: يُستحسن الصبر عن كلِّ أحد إلا عن الصديق. وبالإسناد أخبرنا علي بن هبة الله، أنبأنا محمد بن الحسين بن شبل، أنبأنا الحسن بن عيسى المقتدي، حدثنا أحمد بن منصور اليشكري، حدثنا محمد ابن يحيى الصوليّ، حدثنا أحمد يحيى، حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثني محمد بن عبد الله البكري عن أبيه قال: قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البارّ المقبل عِوضا عن ذي الرحم العاق المدبر، أنبأنا الشذباني عن المروزي سماعاً قال:
قال في جارية صفراء:
إن كنت يا صفراء شرطي في الهوى ... فالبدرُ حُلُّة حُسنِه صفراء
لولا اصفرار التِّبر ساعة سبكه ... فضلت عليه الفضَّة البيضاء