وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَسْمَعَهُ عَطَاءٌ وَيَفْهَمَ عَنْهُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ سُنَّةً يَنْبَغِي لَهَا تَرْكُ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَأْبَى عَطَاءٌ مِنْ قَطْعِ الرِّجْلِ فِي السَّرِقَةِ - كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ - وَيَتَمَسَّكُ بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ، وَيَقُولُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرِّجْلِ.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرِدْ بِقَوْلِهِ " بَلَى، وَلَكِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ " إلَّا لِتَصْحِيحِ: قَطْعِ الْيَدَيْنِ فَقَطْ، عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَكِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ " إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَقَطْ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَسَالِمٍ، وَغَيْرِهِ: إنَّمَا قَطَعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رِجْلَهُ، وَكَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي السُّنَّةِ إلَّا قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ، لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلْ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا - وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ ثُمَّ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ - وَقَوْلِ مَنْ رَأَى قَطْعَ الْيَدِ بَعْدَ الْيَدِ فَقَطْ، وَلَمْ يَرَ قَطْعَ الرِّجْلِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا: فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعَ مُحَمَّدُ يَدَهَا» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «لَمْ تَكُنْ الْأَيْدِي تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» .