أَقْطَعَ يَدَهُ، فَبَأْي شَيْءٍ يَأْكُلُ، أَوْ أَقْطَعَ رِجْلَهُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ؟ فَضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ.
وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِدٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ - يُقَالُ لَهُ: سَدُومٌ - فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّمَا عَلَيْهِ قَطْعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ، فَحَبَسَهُ عُمَرُ.
حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: السَّارِقُ يَسْرِقُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، ثُمَّ يَعُودُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْأُخْرَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، وَلَكِنَّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْته مِنْ عَطَاءٍ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - بَلَى، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَذَا، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ - وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا - بَلَى، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَذَا - وَهُوَ الْحَقُّ - وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَقْطَعُ الْيَدَ وَالرِّجْلَ، وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي - هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَقِّقُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يُخَالِفُهُ وَيُعَارِضُهُ.
إذْ لَا يَحِلُّ تَرْكُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا لِسُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخَةٍ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَارِدَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ، إلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُخَالِفَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَأْيِهِ، أَوْ بِتَقْلِيدِهِ لِرَأْيِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ وَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ دَعَاهُمْ إلَى الْمُبَاهَلَةِ فِي " الْعَوْلِ " وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ فِي أَمْرِ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَفَسْخِهِ بِعُمْرَةٍ: مَا أَرَاكُمْ إلَّا سَيَخْسِفُ اللَّهُ بِكُمْ الْأَرْضَ أَقُولُ لَكُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ؟ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ فِي ذَلِكَ وَلَا يَذْكُرُهَا، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.