وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَفَهِمَهَا، وَتَأَوَّلَ تَأْوِيلًا يَسُوغُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَعَنَدَ، فَعَلَى مَنْ قَتَلَ هَكَذَا الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، وَالْحَدُّ فِيمَا أَصَابَ بِوَطْءٍ حَرَامٍ، وَضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالٍ.
وَهَكَذَا مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ دُنْيَا مُجَرَّدًا بِلَا تَأْوِيلٍ، وَلَا يُعْذَرُ هَذَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ عَامِدٌ لِمَا يَدْرِي أَنَّهُ حَرَامٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَكَذَا مِنْ قَامَ عَصَبِيَّةً وَلَا فَرْقَ - وَقَدْ تَكُونُ الْفِئَتَانِ بَاغِيَتَيْنِ إذَا قَامَتَا مَعًا فِي بَاطِلٍ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالْقَوَدُ أَيْضًا عَلَى الْقَاتِلِ، مِنْ أَيِّ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ - وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُحَارِبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ فِي كُلِّ هَذَا فَصْلًا فَصْلًا: أَمَّا قَوْلُنَا: مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فَلَا حُجَّةَ إلَّا عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، بَيْنَهُمْ الْمَهَامِهُ الْفِيحُ، وَالْبِلَادُ الْبَعِيدَةُ، وَلُجَّةُ الْبَحْرِ - وَالْفَرَائِضُ تَنْزِلُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا تَبْلُغُهُمْ إلَّا بَعْدَ عَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ كَثِيرَةٍ، وَمَا لَزِمَتْهُمْ مَلَامَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عِنْدَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ.
فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ مَنْ جَهِلَ حُكْمَ شَيْءٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ إلَّا فِي ضَمَانِ مَا أَتْلَفَ مِنْ مَالٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَعَلَيْهِ مَتَى عَلِمَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَأَنْ لَا يُصِرَّ عَلَى مَا فَعَلَ وَهُوَ يَعْلَمُ -.
وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ خَاصَّةً فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ " وَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ني سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ - قَالَ سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» وَإِنَّمَا قَتَلُوهُ مُتَأَوِّلِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَأَمَّا مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَبَلَغَهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَهْمُهُ وَلَمْ