المحلي بالاثار (صفحة 4896)

أَقِيدُونِي مِنْ ابْنِ خَبَّابٍ؟ قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلْنَاهُ فَحِينَئِذٍ اسْتَحَلَّ قِتَالَهُمْ، فَقَتَلَهُمْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا أَثَرٌ أَصَحُّ مِنْ أَثَرِ الزُّهْرِيِّ، أَوْ مِثْلُهُ، بِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَأَى الْقَوَدَ عَلَى الْخَوَارِجِ فِيمَنْ قَتَلُوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ مِنْ إجْمَاعِهِمْ.

فَصَحَّ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِلَا شَكٍّ نَدْرِي أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَتَمُّ فَضْلًا، مِنْ الَّذِينَ ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ إجْمَاعٌ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِدَمٍ أَصَابَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ.

لَا بِقَوَدٍ وَلَا بِدِيَةٍ، وَأَنْ لَا يَضْمَنَ أَحَدٌ مَالًا أَصَابَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ حُجَّةً يَسُوغُ الْأَخْذُ بِمِثْلِ مَا قَالُوا، وَإِنَّمَا رَجَعَ الْأَمْرُ فِيمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ إجْمَاعًا إلَى حُكْمِ الْوَالِي، وَلَمْ يَكُنْ إلَّا عَلِيًّا، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ إيجَابُ الْقَوَدِ كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ مُعَاوِيَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ بِيَدِ عَلِيٍّ لَا بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا مَأْجُورًا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ " بِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَرَى الْأُخْرَى بَاغِيَةً " فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكِلْنَا إلَى رَأْيِ الطَّائِفَتَيْنِ، لَكِنْ أَمَرَ مَنْ صَحَّ عَنْدَهُ بَغْيُ إحْدَاهُمَا بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ سَعِيدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْمُقَاتَلَةِ مِنْ الْأُخْرَى، وَلَبَطَلَتْ الْآيَةُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْبُغَاةَ كَمَا قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ كَلَامِنَا ثَلَاثُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ تَأَوَّلُوا تَأْوِيلًا يَخْفَى وَجْهُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَنْ تَعَلَّقَ بِآيَةٍ خَصَّتْهَا أُخْرَى، أَوْ بِحَدِيثِ قَدْ خَصَّهُ آخَرُ، أَوْ نَسَخَهَا نَصٌّ آخَرُ، فَهَؤُلَاءِ كَمَا قُلْنَا مَعْذُورُونَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُجْتَهِدِ يُخْطِئُ فَيَقْتُلُ مُجْتَهِدًا، أَوْ يُتْلِفُ مَالًا مُجْتَهِدًا، أَوْ يَقْضِي فِي فَرْجٍ خَطَأً مُجْتَهِدًا، وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ، فَفِي الدَّمِ دِيَةٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، لَا عَلَى الْبَاغِي، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَضْمَنُ الْمَالَ كُلُّ مَنْ أَتْلَفَهُ، وَنَسَخَ كُلَّ مَا حَكَمُوا بِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْءِ فَرْجٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ - وَهَكَذَا أَيْضًا مَنْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ بِجَهَالَةٍ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَلَا بَلَغَتْهُ.

وَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا فَاسِدًا لَا يُعْذَرُ فِيهِ، لَكِنْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ - أَيَّ شَيْءٍ كَانَ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015