أَخْبَرَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - ثُمَّ اتَّفَقَ زِيَادٌ، وَيُونُسُ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ قُرَيْشٍ سَيُقْتَلُونَ صَبْرًا.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ قُرَشِيًّا لَوْ قَتَلَ لَقُتِلَ، وَلَوْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ لَرُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ - وَهَكَذَا نَقُولُ فِيهِ: لَوْ ارْتَدَّ، أَوْ حَارَبَ أَوْ حُدَّ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثًا ثُمَّ شَرِبَ الرَّابِعَةَ - وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] .
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ مَكَّةَ - أَعَزَّهَا اللَّهُ وَحَرَسَهَا - لَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، أَوْ الْمُحَارِبُونَ، أَوْ الْبُغَاةُ، فَمَنَعُوا فِيهَا مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ - أَنَّ فَرْضًا عَلَى الْأُمَّةِ غَزْوُهُمْ لَا غَزْوُ مَكَّةَ، فَإِنْ انْقَادُوا، أَوْ خَرَجُوا فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا وَلَا خَرَجُوا: أَنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهَا، فَإِنْ هُمْ امْتَنَعُوا وَقَاتَلُوا، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ فِيهَا وَعِنْدَ الْكَعْبَةِ - فَكَانَتْ هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتُ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ وَإِنْذَارُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَدْمِ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ لِلْكَعْبَةِ.
وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلَّا بَعْدَ غَزْوٍ مِنْهُ - وَقَدْ غَزَاهَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَيَّانِيُّ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ - وَأَلْحَدُوا فِيهَا وَهَتَكُوا حُرْمَةَ الْبَيْتِ، فَمِنْ رَامٍ لِلْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ - وَهُوَ الْفَاسِقُ الْحَجَّاجُ - وَقَتَلَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَمِنْ قَالِعٍ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَسَالِبِ الْمُسْلِمِينَ الْمَقْتُولِينَ حَوْلَهَا - وَهُوَ الْكَافِرُ الْمَلْعُونُ - سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ الْقُرْمُطِيُّ، فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ مُبَيِّنًا إخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَخْبَرَ فِي حَدِيث مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ - وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يَغْزُوهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقْتُلُ أَبَدًا رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا، فَكَانَ كَذَلِكَ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - دُونَ بَعْضٍ، فَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ، بَلْ تُضَمُّ أَقْوَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُّهَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، فَكُلُّهَا حَقٌّ.