قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ - وَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَإِغْرَامُ قَوْمٍ لَمْ يَثْبُتْ قِبَلَهُمْ حَقٌّ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَلَا قَسَامَةَ فِي بَهِيمَةٍ وُجِدَتْ مَقْتُولَةً، وَلَا فِي شَيْءٍ وُجِدَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَفْسُودًا؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا تُسَمَّى " قَتِيلًا " فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ فِي الْقَتِيلِ، فَلَا يَحِلُّ تَعَدِّي حُكْمِهِ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ؟ فَالْوَاجِبُ فِي الْبَهِيمَةِ - تُوجَدُ مَقْتُولَةً أَوْ تَتْلَفُ - وَفِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا: مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ يَقُولُ «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» .
فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ إنْ ادَّعَى صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ تُوجَدُ مَقْتُولَةً أَوْ صَاحِبُ الْمَالِ إتْلَافَ مَالِهِ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْبَيِّنَةَ؟ فَإِنْ أَتَى بِهَا قَضَى لَهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، وَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ - وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ دَعْوَى فِي دَمٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، حَاشَا الْقَتِيلَ يُوجَدُ، فَفِيهِ الْقَسَامَةُ كَمَا خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الذِّمِّيِّ يُوجَدُ قَتِيلًا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَسَامَةَ فِيهِ - وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ الْقَسَامَةَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّمَا حَكَمْت بِهَا، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ ادَّعَى عَلَى يَهُودِيِّ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْهُ، لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِهَا فِي قَتِيلٍ وُجِدَ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالًا مِنْ حَالٍ، وَالذِّمِّيُّ قَتِيلٌ، فَالْقَسَامَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ إذَا ادَّعَاهَا أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ ذِمِّيِّينَ؛ لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَوْهَا عَلَى مُسْلِمٍ - فَحَتَّى لَوْ صَحَّ مَا ادَّعَوْهُ بِالْبَيِّنَةِ - فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ، وَلَكِنْ إنْ أَرَادُوا أَنْ يُقْسِمُوا وَيُودِيَهُ الْإِمَامُ، فَذَلِكَ لَهُمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ - حَكَمَ بِهَا فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى عَلَى يَهُودَ؟ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِهَا وَاجِبٌ فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى - عَلَى مُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ غَيْرُ الْحَالِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَلَا