بِالْقَسَامَةِ فِي حُرٍّ لَا فِي عَبْدٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَحْكُمَ بِهَا إلَّا حَيْثُ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَبْدُ مَالٌ كَالْبَهِيمَةِ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْبَهِيمَةِ، وَلَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا؟ فَلَمَّا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ وَجَدْنَا هَاتَيْنِ الْحُجَّتَيْنِ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهِمَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْكُمْ بِالْقَسَامَةِ إلَّا فِي حُرٍّ؟ فَقَدْ قُلْنَا: فِي هَذَا مَا كَفَى، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنِّي إنَّمَا حَكَمْتُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ حُرًّا؟ فَنَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ، وَنُخْبِرُ عَنْ مُرَادِهِ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا تَكَهُّنٌ وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا، وَالْعَبْدُ قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَزِيدَ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ كَمَا لَا قَسَامَةَ فِي الْبَهِيمَةِ؟ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَالْعَبْدُ - وَإِنْ كَانَ مَالًا فَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ حُكْمَ الْأَمْوَالِ وَالْبَهَائِمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَالٌ، فَإِنَّ الْحُرَّ أَيْضًا حَيَوَانٌ كَمَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ حَيَوَانٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ نُبْطِلَ الْقَسَامَةَ فِي الْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى بُطْلَانِهَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ؟ وَأَيْضًا - فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْإِثْمَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ، كَالْإِثْمِ فِي قَتْلِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا نَفْسٌ مُحَرَّمَةٌ، وَدَاخِلَانِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَاتِلُ الْبَهِيمَةِ.
فَوَجَبَ عَلَى أُصُولِهِمْ - أَنْ نَحْكُمَ لِلْعَبْدِ إذَا وُجِدَ مَقْتُولًا بِمِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْحُرِّ إذَا وُجِدَ مَقْتُولًا، لَا بِمِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْبَهِيمَةِ - لَا سِيَّمَا فِي قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ الْمُوجِبِينَ لِلْقَوَدِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْعَمْدِ - فَهَذِهِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمَا صَحِيحَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: الْمُوجِبِينَ لِلْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ خَطَأً، كَمَا يُوجِبُونَهَا فِي قَتْلِ الْحُرِّ خَطَأً بِخِلَافِ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ خَطَأً؟ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَصَحَّ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْعَبْدِ كَمَا هِيَ فِي الْحُرِّ مِنْ طَرِيقِ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا طَرِيقِ الْقِيَاسِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ أَلْزَمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مَنْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ دُونَ قَسَامَةٍ، فَقَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ