المحلي بالاثار (صفحة 4750)

كَانَ يَأْمُرُ بِالْحَائِطِ أَنْ تُحْظَرَ وَيُسَدَّ الْحَظْرُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ، ثُمَّ يُرَدَّ إلَى أَهْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُعْقَرَ.

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقُلْت لِعَطَاءٍ: الْحَظْرُ يُسَدُّ، وَيُحَصَّنُ عَلَى الْحَائِطِ، ثُمَّ لَا يُمْتَنَعُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ، أَبَلَغَك فِيهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يُرَدُّ الضَّارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَى صَاحِبِهِ دُونَ تَضْمِينٍ، وَلَمْ يَخُصَّ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا ثُمَّ يُعْقَرُ. فَخَالَفُوا كِلَا الْحُكْمَيْنِ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمْ يُعَظِّمُونَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّنْعَانِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ يَطَأُ جَمْرَةً يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا كَانَ ذَنْبُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كَانَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ يَعِيثُ بِهَا الزَّرْعَ وَيُؤْذِيهِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الزَّرْعَ وَمَا حَوْلَهُ غُلَاةَ سَهْمٍ، فَاحْذَرُوا أَنْ لَا يَسْحَبَ الرَّجُلُ مَالَهُ فِي الدُّنْيَا وَيُهْلِكَ نَفْسَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا تَسْحَبُوا أَمْوَالَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَتُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا أَنَّ الْحَيَوَانَ - أَيَّ حَيَوَانٍ كَانَ - إذَا أَضَرَّ فِي إفْسَادِ الزَّرْعِ أَوْ الثِّمَارِ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُؤَدَّبُ بِالسَّوْطِ وَيُسْجَنُ، إنْ أَهْمَلَهُ، فَإِنْ ثَقَّفَهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ إلَى إهْمَالِهِ بِيعَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، أَوْ ذُبِحَ وَبِيعَ لَحْمُهُ، أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَعْوَدَ عَلَيْهِ أُنْفِذَ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى: الْمَنْعُ مِنْ أَذَى النَّاسِ فِي زَرْعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ. وَمِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ: إهْمَالُ ذَلِكَ.

فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ حِمَايَةُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ - مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَصْلَحَ مِنْ ذَلِكَ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا مَنْ زَرَعَ فِي الشَّعْوَاءِ، أَوْ حَيْثُ الْمَسْرَحُ، أَوْ غَرَسَ هُنَالِكَ غَرْسًا فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015