المحلي بالاثار (صفحة 4528)

أَوْ بِحَجَرٍ يُمَاتُ مِنْهُ، فَلَا قَوَدَ، وَلَكِنَّهُ عَمْدُ خَطَأٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِمَا لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ الْعَمُودَ وَالْحَجَرَ كَانَا مِمَّا لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ، فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ عَمُودَ فُسْطَاطٍ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمَاتُ مِنْ الضَّرْبِ - فِي الشَّرِّ - بِمِثْلِهِ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْعَمُودَ وَالْحَجَرَ اللَّذَيْنِ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِمَا لَا قَوَدَ فِيهِمَا - وَإِنْ تَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِهِمَا - فِي الشَّرِّ، لَكِنْ فِيهِمَا الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَهَذَا ظَنٌّ فَاسِدٌ مِنْهُمْ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، وَأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ أَبُو دَاوُد -: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَضِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ؟ فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا؟ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ، وَأَنْ تُقْتَلَ.» وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمِصِّيصِيُّ أَنَا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعَ طَاوُسًا يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً سَوَاءً - إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ، وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا.» فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.

فَقَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ دِيَةَ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ، وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِيمَا فِيهِ الْقَوَدُ؟ قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ فِي ذَلِكَ بِالْقَوَدِ، وَكُلُّ أَوَامِرِهِ حَقٌّ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا لِشَيْءٍ، بَلْ الْغَرَضُ الْجَمْعُ بَيْنَ جَمِيعِهَا - وَوَجْهُ ذَلِكَ بَيِّنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَمْدِ، إذْ حَكَمَ بِالْقَوَدِ، ثُمَّ حَكَمَ فِيهِ.

بِحُكْمِ قَتْلِ الْخَطَأِ، إذْ حَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إلَّا بِأَنَّهُ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهَا ضَرَبَتْهَا فَقَتَلَتْهَا: فَحَكَمَ بِالْقَوَدِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ، ثُمَّ صَحَّ أَنَّ ضَرْبَهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015