وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد الَّذِي رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ - ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَجْهُولُ الْحَالِ - قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ: ثُمَّ لَوْ صَحَّ هُوَ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَكَانَا حُجَّةً لَنَا لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ: إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ - وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، بَلْ نَقُولُ: إنَّهُمْ إنْ رَضُوا بِالدِّيَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَهُمْ رِضَاهُمْ.
وَخَبَرُ أَبِي شُرَيْحٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِمَا زِيَادَةُ عَدْلٍ عَلَى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَزِيَادَةُ عَدْلَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا - وَكَمْ قَضِيَّةً فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ خَالَفُوهَا بِآرَائِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ " - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا حَدِيثَا وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَسَاقِطَانِ -: أَحَدُهُمَا - مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَمْرٍو الْعَايِذِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَوْفٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرٍو الضَّبِّيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ - وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ مُدَلَّسًا، وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُمَوَّهَ بِهِ عَلَى جَاهِلٍ بِعُلُومِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جِيءَ بِالْقَاتِلِ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ - فَأَسْقَطَ بَيْنَ عَوْفٍ، وَعَلْقَمَةَ: أَبَا عَمْرٍو الْمَذْكُورَ.
وَالثَّانِي - مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ - وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ: أَتَعْفُو؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَتَقْتُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ فِي الْعَفْوِ أَوْ الْقَوَدِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ دُونَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْقَاتِلَ، أَوْ يَلْتَفِتَ إلَى رِضَاهُ - وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ.
وَالْآخَرُ - أَنَّ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْقَاتِلِ: «أَلَكَ مَالٌ تُؤَدِّي دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا: قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلْتُكَ تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَوَالِيكَ يُعْطُونَكَ دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا.» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا يَطْمَعُ فِي أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الدِّيَةَ، لَا النَّاسُ وَلَا مَوَالِيهِ الَّذِينَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِنَايَتِهِ فَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ مَا لَا يُطِيقُ.