رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أَنْ يُفَادِيَ أَهْلَ الْقَتِيلِ» قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً - وَهَذَا قَوْلُنَا.
وَاعْتَرَضُوا فِي خَبَرِ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمُوهُ كَمَا حَدَّثَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ - وَالْخَبْلُ الْجِرَاحُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إحْدَى ثَلَاثِ أَشْيَاءَ: إمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ» .
قَالُوا: فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالْعَفْوِ - وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ - لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلدِّيَةِ مَعَ ذِكْرِهِ لِلْعَفْوِ مُخَيِّرًا بَيْنَهُمَا مَعْنًى.
قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " إمَّا أَنْ يُقَادَ وَإِمَّا أَنْ يَعْقِلَ " أَنْ يَرْضَى الْقَاتِلُ كَمَا تَقُولُ: خُذْ بِسِلْعَتِك كَذَا وَكَذَا، أَيْ يَرْضَى الْبَائِعُ.
هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
أَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَفْوًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ الْقَوَدَ فَقَطْ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ ذَكَرَ الْعَفْوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ؟
قُلْنَا: وَقَدْ ذُكِرَتْ الدِّيَةُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَا فَرْقَ - وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا - وَالْحَنَفِيُّونَ يُخَالِفُونَ هَذَا الْخَبَرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ لِلْوَلَدِ مِنْ الْوَالِدِ، فَخَصَّهُ بِلَا بُرْهَانٍ - وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ فَخَصُّوهُ أَيْضًا بِلَا بُرْهَانٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - ثُمَّ هُوَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ.