وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَإِنْ أَرَادَ أَبُوهُ ذَلِكَ وَأَبَتْ الْأُمُّ إلَّا أَنْ تُرْضِعَهُ هِيَ فَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَتْ هِيَ أَنْ تَسْتَرْضِعَ لَهُ غَيْرَهَا وَأَبَى الْوَالِدُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَأُجْبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ؛ فَلِأَنَّ إرَادَةَ الْأَبِ وَالْأُمِّ لَمْ تَتَّفِقْ عَلَى الِاسْتِرْضَاعِ لَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إلَّا بِإِرَادَتِهِمَا.
وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُضِرُّ بِهِ فَعَلَى الْوَالِدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لَهُ غَيْرَهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا ثَدْيَ أُمِّهِ أُجْبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ إنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَا يُضِرُّ بِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] مَعَ سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَ لَا أَبَ لَهُ إمَّا بِفَسَادِ الْوَطْءِ بِزِنًى أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ بِاَلَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَائِهِ، وَإِمَّا قَدْ مَاتَ أَبُوهُ فَالْأُمُّ تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] وَلِمَا ذَكَرْنَا مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُضِرُّ بِهِ أَوْ مَاتَتْ أُمُّهُ أَوْ غَابَتْ حَيْثُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا فَيَسْتَرْضِعُ لَهُ غَيْرَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلرَّضِيعِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَمَا أَوْرَدْنَا فِي وُجُوبِ الرَّحْمَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ فَأَرَادَ الْأَبُ فِصَالَهُ دُونَ رَأْيِ الْأُمِّ، أَوْ أَرَادَتْ الْأُمُّ فِصَالَهُ دُونَ رَأْيِ الْأَبِ: فَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ - كَانَ فِي الْفِصَالِ ضَرَرٌ بِالصَّغِيرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
فَإِنْ أَرَادَ جَمِيعًا فِصَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الرَّضِيعِ فَلَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الرَّضِيعِ لِمَرَضٍ بِهِ، أَوْ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الطَّعَامَ: لَمْ يَجُزْ لَهُمَا ذَلِكَ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] .
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] .