قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ وَبَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُخْبِرْنَا - عَزَّ وَجَلَّ - وَبِأَنَّهُ أَرَادَهُ وَلَا أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] .
وَأَيْضًا - فَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَكَانَ لَا إمْسَاكَ إلَّا قُرْبَ بُلُوغِ أَقْصَى الْعِدَّةِ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعْنَاهُ - بِلَا شَكٍّ -: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [الطلاق: 2] أَجَلُ عِدَّتِهِنَّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ مِنْ أَوَّلِ الْعِدَّةِ إلَى آخِرِهَا وَقْتًا لِرَدِّهِ إيَّاهَا وَلِإِمْسَاكِهِ لَهَا، وَلَا قَوْلَ أَصَحَّ مِنْ قَوْلٍ صَحَّحَهُ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ الْمُخَالِفِ وَالْمُوَالِفِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ، أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا - غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا - وَقَدْ طَلَّقَهَا وَأَعْلَمَهَا وَأَشْهَدَ، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِوَلِيٍّ، وَإِشْهَادٍ وَصَدَاقٍ مُبْتَدَأٍ - سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ - فَإِنْ أَتَاهَا الْخَبَرُ - وَهِيَ بَعْدُ فِي الْعِدَّةِ - فَهِيَ رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] وَهَذَا عَيْنُ الْمُضَارَّةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، فَمُضَارَّتُهُ مَرْدُودَةٌ بَاطِلٌ.
وَأَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]