وَمَا وَجَدْنَا حَدًّا يَكُونُ لِلْعَبْدِ ثُلُثَيْ حَدِّ الْحُرِّ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَلْقَةٍ وَنِصْفٍ؟ قُلْنَا: فَأَسْقِطُوا مَا عَجَزْتُمْ عَنْهُ وَحَرِّمُوهَا بِطَلْقَةٍ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ - فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّ ابْنَ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَجْهُولٌ - مَعَ أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ السَّاقِطَ يُعَارِضُ ذَيْنك الْأَثَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ، فَهِيَ مُتَدَافِعَةٌ مُتَكَاذِبَةٌ، لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهَا لَمَا سَبَقُونَا إلَيْهِ، وَلَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِالْبَاطِلِ لَا يَحِلُّ، كَمَا لَا تَحِلُّ مُخَالَفَةُ الْحَقِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرِّقُّ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنْ جَمَعُوا قِيَاسَ الطَّائِفَتَيْنِ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ غَلَبَ الْحُرِّيَّةُ، وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى كَدَعْوَى؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا أَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَرَى طَلَاقَ الْعَبْدِ شَيْئًا؟ قُلْنَا: قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ التَّدْلِيسِ، بَلْ رَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ: لَا طَلَاقَ لِلْعَبْدِ - وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو مَعْبَدٍ: أَنَّ طَلَاقَهُ جَائِزٌ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، فَإِذْ لَا نَصَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ طَلَاقِ الْعَبْدِ، وَطَلَاقِ الْحُرِّ، وَلَا بَيْنَ طَلَاقِ الْأَمَةِ، وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ: فَلَا يَحِلُّ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِثَلَاثٍ - فِي حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَوْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ -: بِالدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.