وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الطَّلَاقَ عَلَى الْقَذْفِ، وَالزِّنَا، وَالْعِدَّةِ، فَهَلَّا قَاسُوهُ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ.
مِنْ أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي الْقَطْعِ وَفِي السَّرِقَةِ وَفِي الْحِرَابَةِ - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَالْحُرِّ وَالْحُرَّةِ؟ لَا سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: إنَّ أَجَلَ الْعَبْدِ الْعِنِّينِ مِنْ زَوْجِهِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ كَأَجَلِ الْحُرِّ، وَصِيَامَ الْعَبْدِ فِي الظِّهَارِ كَصِيَامِ الْحُرِّ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَذَلِكَ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ - فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - أَنَّ غُلَامًا لَهَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ» .
وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ حَدُّ الْعَبْدِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ نِصْفَ طَلَاقِ الْحُرِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْقِيَاسُ - فَعَارَضَهُ قِيَاسُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَدَعْوَى بِلَا حُجَّةٍ؟
وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا قِسْتُمْ طَلَاقَ الْعَبْدِ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِلْحُرِّ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ، وَعَلَى مَا أَبَاحَ لَهُ مَالِكٌ مِنْ زَوَاجِ أَرْبَعٍ كَالْحُرِّ، وَعَلَى مَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ أَجَلَهُ فِي الْإِيلَاءِ كَأَجَلِ الْحُرِّ، وَعَلَى صِيَامِهِ فِي الْكَفَّارَاتِ؟ لَا سِيَّمَا وَكُلُّهُمْ مُتَنَاقِضٌ إذَا احْتَجُّوا - بِزَعْمِهِمْ - لِكَوْنِ طَلَاقِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ نِصْفَ طَلَاقِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ.
وَقَدْ أَبْطَلُوا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ عِنْدَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: طَلْقَتَانِ، وَطَلَاقَ الْأَمَةِ عِنْدَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى: ثَلَاثًا - طَلَاقُ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ.