عَلَى جَمِيعِ وَلَدِ آدَمَ، وَالنُّصُوصُ كُلُّهَا لَا تُوجِبُ ذَلِكَ، إلَّا فِي خَاصٍّ مِنْهَا، لِتَفْرِيقِهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ ذَوِي الْقُرْبَى وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِلَا شَكٍّ.
فَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ وِلَادَاتِ بَعْضِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ دُونَ بَعْضٍ - فَصَحَّ مَا قُلْنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَارَّ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةٌ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ مَعْنَاهُ - لَا يُضَارُّ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ.
وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ رَضَاعَ الصَّغِيرِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يُرَدُّ الْمِيرَاثُ لِأَهْلِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ تَمْوِيهٌ مِنْ الْمُخَالِفِ، وَكُلُّ هَذَا حَقٌّ، وَبِهِ نَقُولُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ (عَلَى الْوَارِثِ أَنْ لَا يُضَارَّ) قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِي الْمُضَارَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَمُوتَ مَوْرُوثُهُ جَوْعًا وَبَرْدًا - وَهُوَ غَنِيٌّ - فَلَا يَرْحَمُهُ بِأَكْلَةٍ، وَلَا بِشَيْءٍ يَسْتُرُهُ بِهِ وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْمَوْتُ مِنْ الْبَرْدِ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُضَارَّةِ، بِلَا شَكٍّ عِنْدَ أَحَدٍ.
أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ " إنَّ رَضَاعَ الصَّغِيرِ فِي نَصِيبِهِ " فَقَوْلٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَ لَهُ مِيرَاثٌ مِنْ مَالٍ، وَنَحْنُ لَمْ نُوجِبُ مُؤْنَتَهُ عَلَى وَارِثِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرْمِيَ وَلَدَهَا إلَى أَبِيهِ - إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً - وَإِلَى عُصْبَتِهِ - إنْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا - وَأَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا رَضَاعَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] .
فَوَجَبَ إجْبَارُ الْأُمِّ - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، كَمَا أَمَرَ