وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْأَعْمَى فِي الشَّيْءِ الْخَفِيفِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، إلَّا فِي الْأَنْسَابِ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَعْرِفُ أَصْحَابُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْبَلُ جُمْلَةً - رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ: أَنَّهُمَا كَرِهَا شَهَادَةَ الْأَعْمَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، لَا فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلَا فِيمَا عَرَفَ بَعْدَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا مَا حَرَّمَ مِنْ الْقَلِيلِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ مَالَ مُسْلِمٍ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ» .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ كَثِيرٌ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ - فَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعْقَلُ فَسَقَطَ.
وَأَمَّا مَنْ قَبِلَهُ فِي الْأَنْسَابِ فَقَطْ فَقِسْمَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَنْسَابَ إلَّا مِنْ حَيْثُ يَعْرِفُ الْمُخَبِّرِينَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُشْهِدِينَ لَهُ مِنْهُمْ فَقَطْ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ لَا فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى وَلَا بَعْدَهُ، فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا عَرَفَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَبَيْنَ مَا عَرَفَهُ الصَّحِيحُ وَتَمَادَتْ صِحَّتُهُ وَبَصَرُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
قُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ، مَا جَاءَ قَطُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى - وَمَا عُرِفَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ.