أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ صَحِيفَةٌ وَحَجَّاجٌ هَالِكٌ - ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الْأَبَوَيْنِ لِابْنَيْهِمَا، وَلَا الِابْنَ لِأَبَوَيْهِ، وَلَا أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَا الْعَبْدَ وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِهَذَا الْخَبَرِ.
وَأَيْضًا - فَقَدْ يُضَافُ إلَى هَذَا الْخَبَرِ " إلَّا إنْ تَابَ " بِنُصُوصٍ أُخَرَ.
وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قَالُوا: فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ فَقَطْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِلَا دَلِيلٍ بَلْ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ مِنْ أَجْلِ فِسْقِهِمْ، وَإِلَى الْفِسْقِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ.
قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ - أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قَبُولُهَا، إلَّا الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ فَقَطْ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفَةٌ، وَالْأَظْهَرُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ " إنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي " فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ، مَا سَمِعْنَا أَنَّ مُسْلِمًا فَسَّقَ أَبَا بَكْرَةَ، وَلَا امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحْكَامِ الدِّينِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1808 - مَسْأَلَةٌ: وَشَهَادَةُ الْأَعْمَى مَقْبُولَةٌ كَالصَّحِيحِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ الْحَسَنِ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا عَرَفَ بَعْدَ الْعَمَى - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.