وَاحِدًا عَدْلًا بِذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، وَأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَا بِرَدِّ الْيَمِينِ، لَكِنْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ -.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا: فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ رَدَدْتُمْ الرِّوَايَةَ فِي رَدِّ الْيَمِينِ بِأَنَّهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَلَا الْمِقْدَادَ، وَلَا عُمَرُ - ثُمَّ ذَكَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ رِوَايَةَ حُكُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَ عُمَرَ، وَأُبَيُّ.
قُلْنَا: لَمْ نُورِدْ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ احْتِجَاجًا لِأَنْفُسِنَا فِي تَصْحِيحِ مَا قُلْنَاهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ نَرَى فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً فِي الدِّينِ، وَلَكِنْ تَكْذِيبًا لِمَنْ قَدْ سَهَّلَ الشَّيْطَانُ لَهُ الْكَذِبَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مُجَاهَرَةً، حَيْثُ لَا يَجِدُ إلَّا رِوَايَاتٍ كُلَّهَا هَالِكَةً، بِظُنُونٍ كَاذِبَةٍ، عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ رُوِيَ مِثْلُهَا بِخِلَافِهَا عَنْ ثَلَاثَةٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ، فَأَرَيْنَاهُمْ لِأَنْفُسِنَا مِثْلَهَا، بَلْ أَحْسَنَ مِنْهَا عَنْ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا مِنْهُمْ أَوْ أَرْبَعَةٍ، إلَّا أَنَّ الْمُوَافَقَةَ لِقَوْلِنَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي ذِكْرِ قَضِيَّةٍ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيٍّ قَضَى فِيهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بَيْنَهُمَا وَالشَّعْبِيُّ: قَدْ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَصَحِبَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ كَثِيرًا - فَهَذِهِ أَقْرَبُ بِلَا شَكٍّ إلَى أَنْ تَكُونَ مُسْنَدَةً مِنْ تِلْكَ الَّتِي لَمْ يَلْقَ الشَّعْبِيَّ أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ وَلَا أَدْرَكَهُ بِعَقْلِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُجَوِّزَ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ، وَلَا بِرَدِّ الْيَمِينِ، لَكِنْ بِالْأَخْذِ بِالْيَمِينِ وَلَا بُدَّ فِي بَعْضِ الدَّعَاوَى دُونَ بَعْضٍ بِرَأْيِهِ - وَيُجَوِّزَ مِثْلَ ذَلِكَ لِمَالِكٍ فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَا يُجَوِّزَ لِمَنْ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، وَالْقَوْلُ بِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ، لِتَعَرِّي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ دَلِيلٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ السُّنَّةِ - وَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا -.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ صَحَّ مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ «لَوْ أَعْطَى النَّاسَ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ