إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا الطَّالِبُ، وَهَذَا عُمَرُ يُنْكِرُ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِالْيَمِينِ وَلَا يُحَلِّفَ الْمُنْكِرَ - وَهُوَ قَوْلُنَا نَصًّا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي رِسَالَةٍ ذَكَرَهَا: الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ - فَلَمْ يَذْكُرْ نُكُولًا وَلَا رَدَّ يَمِينٍ.
حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْكَرْمَانِيُّ نا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبْت إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تُحْرِزَانِ حَرِيزًا فِي بَيْتٍ، وَفِي الْحُجْرَةِ حِدَاثٌ، فَأَخْرَجَتْ إحْدَاهُمَا يَدَهَا تَشْخَبُ دَمًا فَقَالَتْ: أَصَابَتْنِي هَذِهِ، وَأَنْكَرَتْ الْأُخْرَى، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيَّ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاس أُعْطُوا بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ» ، اُدْعُهَا فَاقْرَأْ عَلَيْهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ فَقَرَأْت عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ ".
فَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُفْتِ إلَّا بِإِيجَابِ الْيَمِينِ فَقَطْ، وَأَبْطَلَ أَنْ يُعْطَى الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي ذَلِكَ نُكُولَ الْمَطْلُوبِ وَلَا رَدَّ الْيَمِينِ أَصْلًا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: لَا أَرُدُّ الْيَمِينَ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ عَنْ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: كَانَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ لَا يَرَيَانِ الْيَمِينَ - يَعْنِي لَا يَرَيَانِ رَدَّهَا - عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّمِ يَأْبَى عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لَكِنْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا وَأَمَتُهُ أَوْ عَبْدُهُ عَتَاقًا وَأَقَامُوا شَاهِدًا