المحلي بالاثار (صفحة 3654)

كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» .

بَلْ قَدْ وَجَدْنَا الدَّمَ يُبَاحُ بِشَاهِدَيْنِ، وَجَلْدِ مِائَةٍ فِي الزِّنَى أَوْ خَمْسِينَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ عُدُولٍ - فَصَحَّ أَنَّهُ التَّسْلِيمُ لِلنُّصُوصِ فَقَطْ.

وَلَمْ يَبْقَ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ إلَّا قَوْلُ زُفَرَ الَّذِي وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَاهُ، فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ: أَنَّهُ ذَكَرَ آيَةَ اللِّعَانِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الزَّوْجَ إنْ نَكَلَ عَنْ الْأَيْمَانِ، أَوْ نَكَلَتْ هِيَ، فَإِنَّ عَلَى النَّاكِلِ حُكْمًا مَا يَلْزَمُهُ بِنُكُولِ النَّاكِلِ الْمَذْكُورِ إمَّا السِّجْنُ وَإِمَّا الْحَدُّ - فَهَذَا قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ.

فَقُلْنَا: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لِوَجْهَيْنِ -:

أَحَدُهُمَا - أَنَّ الزَّوْجَ قَاذِفٌ، فَجَاءَ النَّصُّ بِإِزَالَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ بِأَيْمَانِهِ الْأَرْبَعِ وَلَعَنَتْهُ الْخَامِسَةُ فَلَزِمَتْ الطَّاعَةُ لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَالْحَدُّ بَاقٍ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ - وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْعَذَابَ، إلَّا أَنْ تَحْلِفَ، فَإِنْ حَلَفَتْ دُرِئَ عَنْهَا الْعَذَابُ بِأَيْمَانِهَا الْأَرْبَعِ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا فِي الْخَامِسَةِ بِالنَّصِّ، وَإِنْ نَكَلَتْ فَالْعَذَابُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الدَّعَاوَى، بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ حُكْمًا مَا يَلْزَمُهَا بِالنُّكُولِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ السِّجْنُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ نُكُولَ النَّاكِلِ عَنْ الْيَمِينِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يُوجِبُ أَيْضًا عَلَيْهِ حُكْمًا مَا وَهُوَ الْأَدَبُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ مَنْ أَتَى مُنْكَرًا قَدَرْنَا عَلَى تَغْيِيرِهِ بِالْيَدِ - وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا فَوَجَبَ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِالْآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.

وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ لِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكْمًا مُوجِبًا لِلْمُدَّعِي حَقًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ رَدُّ الْيَمِينِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ السِّجْنُ وَالْأَدَبُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ إنْفَاذُ الْحُكْمِ عَلَى النَّاكِلِ، فَبَطَلَ رَدُّ الْيَمِينِ، وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُدَّعِي فِي سِجْنِ الْمَطْلُوبِ النَّاكِلِ وَتَأْدِيبِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِنُكُولِهِ.

فَقُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ زِدْتُمْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَلَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015