المحلي بالاثار (صفحة 3653)

قَالَ: مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَتَهُ صِغَارًا فَأَقَامَ وَصِيُّهُمْ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا بِدَيْنٍ لِمَوْرُوثِهِمْ عَلَى إنْسَانٍ: قِيلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ حَتَّى تَبْلُغَ الصِّغَارُ فَيَحْلِفُوا مَعَ شَاهِدِهِمْ، وَيُقْضَى لَهُمْ، فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ حَتَّى يَبْلُغُوا وَيَحْلِفُوا وَيُقْضَى لَهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ.

وَقَالَ فِيمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا، أَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَمَتُهُ أَوْ عَبْدُهُ عَتَاقًا، وَقَامَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ: إنَّهُ يُقَالُ لَهُ: احْلِفْ مَا طَلَّقْت، وَلَا أَعْتَقْت وَتَبَرَّأْ.

فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.

وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يُسْجَنُ حَتَّى يَطُولَ أَمْرُهُ، وَحَدَّ ذَلِكَ بِسَنَةٍ، ثُمَّ يُطَلِّقُ - وَمَرَّةً قَالَ: يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ: مَرَّةً يَقْضِي بِالنُّكُولِ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَفِي سَائِرِ الدَّعَاوَى لَا يَقْضِي بِهِ، وَهَذِهِ فُرُوقٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَّقَ بِهَا قَبْلَهُ وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى تَفْرِيقِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا قِيَاسٍ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِفُرُوقِهِ - فَسَقَطَ هَذِهِ الْقَوْلُ بِيَقِينٍ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ أَيْضًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَى تِلْكَ الْفُرُوقِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا إلَى تَرْدِيدِ دُعَائِهِ إلَى الْيَمِينِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَا صَحَّحَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلَا قِيَاسٌ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِفُرُوقِهِمْ.

وَلَا يَخْلُو الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقًّا وَاجِبًا أَوْ بَاطِلًا، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحُكْمُ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان وَاجِبٌ -: كَمَا قَالَ زُفَرُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا - إذْ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا جُمْلَةً، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ قَطُّ الِاحْتِيَاطَ لِلدَّمِ بِأَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ، وَالْمَالِ، وَالْبَشَرَةِ، بَلْ الْحَرَامُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015