مَدِينَةِ كِسْرَى فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ مِنْ أَكْبَرِ ذَلِكَ وَأَهَمِّهِ وَأَعَمِّهِ فَتْحًا فِي الْإِسْلَامِ.
وَهَذَا قَدْ أَنْذَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذْ قَالَ لَهُ: لَعَلَّك سَتُخَلِّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِي نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا الْآنَ إسْنَادُهُ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ يَوْمَئِذٍ: إنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ» .
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَرِيضِ - مَاتَ أَوْ عَاشَ - فَثَبَتَ يَقِينًا ضَرُورِيًّا: أَنَّ صَدَقَةَ الْمَرِيضِ خَارِجَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، لَا مِنْ ثُلُثِهِ بِنَصِّ حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَطَلَ مَا خَالَفَ هَذَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَأَوْضَحَ حُجَّةً لِقَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْلِهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِيرَادُهُمْ إيَّاهُ فَضِيحَةُ الدَّهْرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ هِبَةِ الْمَرِيضِ ذِكْرٌ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا كَانَ نَحَلَهَا ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ جِدَادُهَا لِذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَغِبَ إلَيْهَا فِي رَدِّ تِلْكَ النِّحْلَةِ بِرِضَاهَا.
فَكَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَ وَعْدًا بِمَجْهُولٍ لَا يُدْرَى مِنْ كَمْ مِنْ نَخْلَةٍ تَجِدُ الْعِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَا مِنْ أَيِّ تِلْكَ النَّخْلِ تَجِدُ؟ فَسَقَطَتْ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إلَّا الْعِتْقَ فَإِنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا.
فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الصَّحِيحَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كِلَاهُمَا: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ