المحلي بالاثار (صفحة 3607)

فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمُوصِيَ بِعِتْقِ جَمِيعِهِمْ، لَمْ يُعْتِقْ قَطُّ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، إنَّمَا أَعْتَقَهُمْ جُمْلَةً، فَكَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ جَامِعًا لِبَاطِلٍ وَحَقٍّ، فَلَمْ يُمْكِنْ إنْفَاذُ ذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَمَا وَقَعَ الْعِتْقُ قَطُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ، لَكِنْ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْقُرْعَةِ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ.

وَنَسْأَلُهُمْ هَاهُنَا: عَمَّنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ غَنَمِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ بِجَمِيعِ خَيْلِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ بِجَمِيعِ عَبِيدِهِ فِي أَهْلِ الْجِهَادِ فِي الثُّغُورِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، أَيُنَفِّذُونَ ذَلِكَ بِرَغْمِ الْوَرَثَةِ فَيَنْسَلِخُوا عَنْ الْإِسْلَامِ؟ أَمْ يُبْطِلُونَ وَصِيَّتَهُ فَيَفْسُقُوا؟ أَمْ يَقْسِمُونَ الثُّلُثَ لِلْوَصِيَّةِ وَالثُّلُثَيْنِ لِوَرَثَتِهِ بِالْقُرْعَةِ؟ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرُوا.

وَقَالُوا: لَمَّا تَسَاوَوْا كُلُّهُمْ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِتْقِ دُونَ تَفَاضُلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَابِيَ بِإِنْفَاذِهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا اسْتَوَوْا قَطُّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ هُوَ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهِمْ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي بَعْضِهِمْ بِحَقٍّ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ، وَفِي بَعْضِهِمْ بِحَرَامٍ لَا يَحِلُّ تَنْفِيذُهُ - وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ - فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْعَةِ.

وَقَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عِمْرَانَ «فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ» أَيْ شَائِعَيْنِ فِي الْجَمِيعِ، كَمَا يَقُولُ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» يَعْنِي شَائِعَةً فِي الْجَمِيعِ - وَذَكَرُوا أَخْبَارًا لَا تَصِحُّ فِيهَا - فَأَعْتَقَ الثُّلُثَ؟ فَقُلْنَا: جَمَعْتُمْ فِي هَذَا الْكَذِبَ وَالْمُجَاهَرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ «وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» فَبَطَلَ مَا رُمْتُمْ إقْحَامَهُ فِي الْخَبَرِ - وَمَا كَانَتْ الشَّاةُ قَطُّ شَائِعَةً فِي الْأَرْبَعِينَ، بَلْ وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، أَيُّهَا أَعْطَى مِمَّا فِيهِ وَفَاءٌ: فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ.

وَقَالُوا: هَذَا قَضَاءٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ عُمُومَ اسْمٍ يَتَنَاوَلُ مَا تَحْتَهُ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: هَلَّا قُلْتُمْ هَذَا لِأَنْفُسِكُمْ إذْ جَعَلْتُمْ الْخُطْبَةَ فَرْضًا فِي الْجُمُعَةِ - وَهُوَ فِعْلٌ لَا عُمُومُ اسْمٍ - وَإِذْ قَضَيْتُمْ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ فِي خَبَرٍ مَكْذُوبٍ ثُمَّ هُوَ فِعْلٌ وَلَيْسَ عُمُومَ اسْمٍ - لَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُمْ هَذَا إلَّا تَجْوِيرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ.

وَقَالُوا: هَذَا مِنْ بَابِ الْقِمَارِ، وَالْمَيْسِرِ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015