وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إلَّا مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ مِنْهُ فَقَطْ وَرَقَّ بَاقِيهِ - سَوَاءٌ حَمَلَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ أَوْ قَصُرَ عَنْهُ -.
فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إلَّا مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا أَوْصَى بِعِتْقِهِ مِنْهُ وَرَقَّ سَائِرُهُ.
فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ أَوْ دَبَّرَهُمْ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَقَطْ وَيُرَقُّ سَائِرُهُ.
فَلَوْ دَبَّرَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ عَلَى رُتْبَةِ تَدْبِيرِهِ لَهُمْ، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ وَرَقَّ بَاقِي مَنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقٍ لَهُ لَا يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ قُوِّمُوا ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ مِنْهُمْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَرَقَّ سَائِرُهُمْ، وَيُرَقُّ بَاقِي مَنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - فَاقْتَصَرَ عَلَى خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَتَرَكَ خَبَرَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الْعِتْقِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمُخَالِفٌ لِجَمِيعِ السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ لَا بِحَدِيثِ الْقُرْعَةِ الَّذِي رَوَاهُ عِمْرَانُ أَخَذَ، وَلَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَخَذَ، وَالْمُوصِي شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أُعْتِقَ، وَفِي الِاسْتِسْعَاءِ - وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَاقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ الِاسْتِسْعَاءِ وَخَالَفَ خَبَرَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ.
وَاعْتَلُّوا فِي رَدِّ خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بِأَشْيَاءَ فَاسِدَةٍ -: مِنْهَا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ تُسْتَعْمَلُ كَمَا قَضَى بِهَا عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ فِي الْوَلَدِ الَّذِي ادَّعَاهُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ فَأَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ - ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَذَبُوا، مَا نُسِخَ ذَلِكَ قَطُّ، وَكَيْفَ يُجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِهِ