بِمُوجَبِهِ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ أُمَّ الْأُمِّ تَرِثُ وَلَا تُورَثُ بِلَا خِلَافٍ، وَالْعَمَّةُ تُورَثُ وَلَا تَرِثُ بِلَا خِلَافٍ.
وَهَذَا عُمَرُ قَدْ رَجَعَ عَنْ تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى نَاكِحِهَا فِي الْأَبَدِ، وَأَبَاحَ لَهُ نِكَاحَهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لِرُجُوعِ عُمَرَ عَنْهُ.
وَهَذَا عَلِيٌّ قَدْ رَجَعَ عَنْ مَنْعِهِ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلَمْ يَرْجِعْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لِرُجُوعِهِ، وَلَيْسَ رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ حُجَّةً، كَمَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَيْسَ حُجَّةً، إلَّا أَنْ يُصَحِّحَ الْقَوْلَ أَوْ الرُّجُوعَ حُجَّةً.
وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ الْأَجْدَادِ إلَّا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَبٌ الْأَبِ، وَأَبُوهُ، وَأَبُو أَبِيهِ - هَكَذَا فَقَطْ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّهَا وَأُمُّ أُمِّهَا، وَهَكَذَا فَقَطْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَاتَانِ حُجَّتَانِ لَازِمَتَانِ لِأَهْلِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى كَثِيرًا مَا يَحْتَجُّونَ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ أَصَحُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونُهَا أُمٌّ، بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْأُمِّ الَّتِي دُونَهَا، فَلَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا إلَّا جَدَّةً تَكُونُ دُونَهَا أُمٌّ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ آنِفًا وَعِلَّتَهُ وَلَا يَلْزَمَانِنَا؛ لِأَنَّنَا لَا نَمْنَعُ مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ إذَا أَوْجَبَهُ بُرْهَانٌ، بَلْ نُوجِبُ الْأَخْذَ بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَوْلَا الْبُرْهَانُ الْمُوجِبُ لِتَوْرِيثِ كُلِّ جَدَّةٍ لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِسِوَاهُ، لِأَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِالْقِيَاسِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إلَّا جَدَّتَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ - وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا أَوْرَدْنَا.
فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِخَبَرِ مُجَاهِدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَ جَدَّتَيْنِ السُّدُسَ. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَعَ مِنْ تَوْرِيثِ أَكْثَرَ - وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ أَحْسَنُ مِنْهُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ.
وَلَيْسَ قَوْلُ سَعْدٍ: أَلَا تُوَرِّثُ حَوَّاءَ امْرَأَةَ آدَمَ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ