المحلي بالاثار (صفحة 3489)

يُكَلِّفْنَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَنَا، فَإِنْ كَانَ خَفِيَ عَلَى عُمَرَ فَلَمْ يَخْفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ مَغِيبُ الْحُكْمِ عَمَّنْ غَابَ عَنْهُ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَهُ، وَقَدْ غَابَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِلْمُ جَوَازِ كَثْرَةِ الصَّدَاقِ، وَمَوْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا الْكَلَالَةُ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، فَمَا كَدَحَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ مَنْ عَلِمَهَا.

وَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ ذَلِكَ بِالْغُرَمَاءِ وَالْمُوصَى لَهُمْ، فَبَاطِلٌ وَتَشْبِيهٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَوْ اتَّسَعَ عَلَى مَا هَوَّلُوا وَسِعَ الْغُرَمَاءَ وَالْمُوصَى لَهُمْ، وَلَوُجِدَ بَعْدَ التَّحَاصِّ مَالُ الْغَرِيمِ يُقْسَمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَالْمُوصَى لَهُمْ أَبَدًا، حَتَّى يَسَعَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمْرُ الْعَوْلِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْعَرْشِ لَا يَتَّسِعُ لِأَكْثَرَ مِنْ: نِصْفَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَثْلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَرْبَاعٍ، أَوْ سِتَّةِ أَسْدَاسٍ، أَوْ ثَمَانِيَةِ أَثْمَانٍ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُحَالَ وَمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُكَلِّفَنَا مِنْ الْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُخَلِّصِ مِنْهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَنَّا كَيْفَ نَعْمَلُ فِيهِ

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِالْحَطِيطَةِ مِنْ بَعْضٍ " فَكَلَامٌ صَحِيحٌ إنْ زِيدَ فِيهِ مَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُوجِبَ حَطَّ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ نَصٌّ أَوْ ضَرُورَةٌ.

وَيُقَالُ لَهُمْ هَاهُنَا أَيْضًا: وَلَا لَكُمْ أَنْ تَحُطُّوا أَحَدًا مِنْ الْوَرَثَةِ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِاحْتِيَاطِك وَظَنِّك، لَكِنْ بِنَصٍّ أَوْ ضَرُورَةٍ.

وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ التَّنَاقُضِ مِنْ الْمَانِعِينَ بِالْعَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوا فَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَتَنَاقَضُوا فِيهَا أَصْلًا.

فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُبْطِلُونَ لِلْعَوْلِ. فَوَجَدْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ قَدْ انْتَظَمَ بِالْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الِاعْتِرَاضِ فِيهِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ إخْبَارُهُ بِأَنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ عَالَ الْفَرَائِضَ بِاعْتِرَافِهِ؛ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ سُنَّةٌ - وَهَذَا يَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ.

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ وَصَفَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، فَهُوَ الْحَقُّ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَوْلِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ فِيهَا أَبَوَانِ وَزَوْجٌ وَزَوْجَةٌ وَأَخَوَاتٌ وَبَنَاتٌ فَقَطْ، أَوْ بَعْضُهُمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015