أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَضَافُوهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ذَلِكَ كَذِبًا بَحْتًا مُوجِبًا لِلنَّارِ، وَإِنْ كَانُوا أَخْرَجُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَلِمَ تَعَدَّيْتُمْ بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ إلَى الْإِبَاقِ، وَالْمَوْتِ، وَسَائِرِ الْعُيُوبِ الَّتِي يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا حَادِثَةٌ بِلَا شَكٍّ، كَذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْ رَمْيَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ فَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ قِيَاسٍ لِافْتِرَاقِ الْعِلَّةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنْ كُنْتُمْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَنَرَاكُمْ قَدْ اطَّرَحْتُمْ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ وَاقْتَصَرْتُمْ عَلَى عِلَّةٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؟ ؟ وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي شَغَبُوا بِهَا فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا - فَإِنَّ هِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ مِمَّنْ لَا نَعْلَمُهُ تَجِبُ الْحُجَّةُ بِرِوَايَتِهِ فَكَيْفَ بِخُطْبَتِهِ؟ وَأَمَّا خُطْبَةُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بِذَلِكَ - فَعَهْدُنَا بِهِمْ قَدْ خَالَفُوا أَبَانًا فِي قَوْلِهِ: إنَّ أَلْبَتَّةَ فِي الطَّلَاقِ وَاحِدَةٌ، وَفِي إبْطَالِهِ طَلَاقُ السَّكْرَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَمَرَّةً يَكُونُ حُكْمُ أَبَانَ حُجَّةً، وَمَرَّةً لَا يَكُونُ حُجَّةً - وَهَذَا تَخْلِيطٌ شَدِيدٌ وَعَمَلٌ لَا يَحِلُّ.
وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَالرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَ رِوَايَتَهُ فَمَالِكٌ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - وَهُمْ قَدْ اطَّرَحُوا حُكْمَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الثَّابِتَ عَنْهُ، وَالسُّنَّةُ مَعَهُ فِي أَمْرِهِ النَّاسَ عَلَانِيَةً بِالسُّجُودِ فِي " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ كَثِيرٌ جِدًّا، فَالْآنَ صَارَ حُجَّةً وَهُنَالِكَ لَيْسَ حُجَّةً، مَا أَقْبَحَ هَذَا الْعَمَلَ فِي الدِّيَانَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فَصَحِيحٌ عَنْهُمَا، وَلَا حُجَّةَ فِي الدِّينِ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ سَعِيدٍ مُخَالِفٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ، وَلَمْ يَخُصَّ الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ، وَالْبَرَصَ فَقَطْ، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حِسٍّ أَنَّ الْأَكَلَةَ، وَالْحِرْبَةَ، وَالْأَدَرَةَ: مِنْ الْأَدْوَاءِ الْعُضَالِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الْمَذْكُورَةِ أَثَرًا أَصْلًا، وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسًا.