مُصِيبَةِ الْبَائِعِ، وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، وَلَوْ قَالَهُ لَبَيَّنَ عَلَيْنَا مَا أَرَادَ بِهِ.
وَلَا يَفْرَحُ الْحَنَفِيُّونَ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسُوغُ وَيَصِحُّ عَلَى أُصُولِنَا لَا عَلَى أُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ إذْ رَزَقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عُقُولًا كَهَّنُوا بِهَا مَا مَعْنَى الْكَذِبِ الْمُضَافِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ " الْبُتَيْرَاءِ " حَتَّى فَهِمُوا أَنَّ الْبُتَيْرَاءَ: هِيَ أَنْ يُوتِرَ الْمَرْءُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِثَلَاثٍ، عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَفْهَمُهُ إنْسِيٌّ وَلَا جِنِّيٌّ مِنْ لَفْظَةِ " الْبُتَيْرَاءِ " وَلَمْ يُبَالُوا بِالتَّزَيُّدِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَمَا الْمَانِعُ لَهُمْ مِنْ أَنْ يُكَهِّنُوا أَيْضًا هَهُنَا مَعْنَى الْعُهْدَةِ؟ فَمَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَأْخُذُ بِبَيَانِ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إلَّا مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، فَهُوَ الَّذِي تَقُومُ بِهِ حُجَّةُ الْوَاقِفِ غَدًا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِمَا سِوَاهُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَقَدْ جَاءَ الْحُكْمُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ، فَقَاسُوا عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ بِآرَائِهِمْ.
وَجَاءَ النَّصُّ بِتَحْدِيدِ الْمَنْعِ مِنْ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ فَقَاسُوا عَلَيْهِ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ النِّكَاحِ عِنْدَ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ.
وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالرِّبَا فِي الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ فَقَاسُوا عَلَيْهَا: الْكَمُّونَ، وَاللَّوْزَ، فَهَلَّا قَاسُوا هَهُنَا عَلَى خَبَرِ " الْعُهْدَةِ " فِي الرَّقِيقِ سَائِرَ الْحَيَوَانِ؟ وَلَكِنْ لَا النُّصُوصَ يَلْتَزِمُونَ وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ؟ وَمِنْ طَرَائِفِهِمْ هَهُنَا: أَنَّهُمْ قَاسُوا مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ عَبْدًا أَوْ ثَمَرَةً بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهَا فَمَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَبَقَ أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؟ فَلِلْمَرْأَةِ الْقِيَامُ بِالْجَائِحَةِ، وَلَا قِيَامَ لَهَا فِي الْعَبْدِ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ - فَكَانَ " هَذَا طَرِيفًا جِدًّا.
وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقُوا فِيهِ بِخَبَرٍ وَعَمَلٍ وَلَا فَرْقَ؟ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ " عُهْدَةَ الثَّلَاثِ " إنَّمَا جُعِلَتْ مِنْ أَجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُخْرَجَةً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مُضَافَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بُدَّ مِنْ