وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: لَيْسَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ؟ فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْطُوءٌ بِالْمَدِينَةِ - يَعْنِي مَشْهُورًا -.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: كُلُّ بَيْعٍ فَالْمُتَبَايِعَانِ فِيهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، إلَّا بِيُوعَا ثَلَاثَةً: الْمَغْنَمَ، وَالشُّرَكَاءَ فِي الْمِيرَاثِ يَتَقَاوَمُونَهُ، وَالشُّرَكَاءَ فِي التِّجَارَةِ يَتَقَاوَمُونَهَا.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَحَدُّ التَّفَرُّقِ أَنْ يَغِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَرَاهُ - وَقَالَ أَحْمَدُ: كَمَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ التَّخْيِيرَ، وَلَا يَعْرِفُ إلَّا التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ فَقَطْ.
وَهَذَا الشَّعْبِيُّ قَدْ فَسَخَ قَضَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى الْحَقِّ، فَشَذَّ عَنْ هَذَا كُلِّهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَمَنْ قَلَّدَهُمَا، وَقَالَا: الْبَيْعُ يَتِمُّ بِالْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَلَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَخَالَفُوا السُّنَنَ الثَّابِتَةَ، وَالصَّحَابَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلًا، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ سَلَفًا إلَّا إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا وَجَبَتْ الصَّفْقَةُ فَلَا خِيَارَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا - وَرِوَايَةٌ مَكْذُوبَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَكَفَى بِهِ سُقُوطًا عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: " إذَا كَلَّمَ الرَّجُلُ بِالْبَيْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَالصَّحِيحُ عَنْ شُرَيْحٍ هُوَ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ -: كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الضُّحَى، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ.
وَلَعَمْرِي؛ إنَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لَيُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهُ عَنَى كُلَّ صَفْقَةٍ غَيْرَ الْبَيْعِ، لَكِنْ الْإِجَارَةَ، وَالنِّكَاحَ، وَالْهِبَاتِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ أَصْلًا فَحَصَلُوا بِلَا سَلَفٍ.
وَقَوْلُهُ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا: صَحِيحٌ - وَمَا قُلْنَا: إنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا قَالَ هُوَ: إنَّهُ لَازِمٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ جَائِزٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهُوا بِتَمْوِيهَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ -: مِنْهَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى التَّفَرُّقِ أَيْ بِالْكَلَامِ؟ فَقُلْنَا: لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ