المحلي بالاثار (صفحة 2841)

الثَّمَنَ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ فَطَفِقَ رِجَالٌ يُسَاوِمُونَ الْأَعْرَابِيَّ بِالْفَرَسِ، وَزِيدَ عَلَى السَّوْمِ، فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ فَابْتَعْهُ وَإِلَّا بِعْتُهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاَللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي بَايَعْتُكَ؟ فَقَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ بَايَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بِتَصْدِيقِكَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ نَحْوُهُ وَزَادَ فِيهِ: «فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَذَبَ فَلَا تُبَارِكْ لَهُ فِيهَا فَأَصْبَحَتْ شَاصِيَةً بِرِجْلِهَا» فَقَالُوا: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ابْتَاعَ وَلَمْ يُشْهِدْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الْأَمْرَ تَأَخَّرَ مِقْدَارَ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْإِشْهَادُ، فَلَمْ يُشْهِدْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعَ مِنْهُ الْفَرَسَ ثُمَّ اسْتَتْبَعَهُ لِيُوَفِّيَهُ الثَّمَنَ فَأَسْرَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ - وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ - فَفَارَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتِمَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ تَمَّ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَصِحَّتِهِ، لَا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ الْخَبَرُ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - ثُمَّ صَحَّ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرَكَ الْإِشْهَادَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا، فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ - وَنَحْنُ نُقِرُّ بِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا وَجَبَ بِنُزُولِ الْآيَةِ لَا قَبْلَ نُزُولِهَا - وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ يَقِينِ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِظَنٍّ كَاذِبٍ لَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِهِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ بِخِلَافِ هَذَا الْخَبَرِ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ يَقُولُ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ لِنَفْسِهِ.

وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقَيْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ حَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِنَفْسِهِ، فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَرْكُهُمْ الْحُكْمَ بِخَبَرٍ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ وَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ أَثَرٌ، وَلَا نَصٌّ، وَلَا دَلِيلٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015