أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ لَهَا - لَمَا وَرِثَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعُرْوَةُ، وَالْمُنْذِرُ، أَوْلَادُهَا مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ حَبَّةَ خَرْدَلٍ، وَلَا قِيمَتَهَا، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ مَالُ الْمَرِيضِ. قَدْ صَارَ مَالًا لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِهِ لَوَرِثَهُ عَنْهُ إنْ مَاتَ وَرَثَتُهُ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلَا أَحْمَقُ، وَلَا عَاقِلٌ.
وَأَيْضًا فَلَا خِلَافَ - مِنَّا وَمِنْهُمْ - فِي أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْمَرِيضِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَكَانَ زَانِيًا يُحَدُّ حَيْثُ يُحَدُّ لَوْ وَطِئَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا فَرْقَ وَأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ الْقَطْعُ لَقُطِعَتْ يَدُهُ حَيْثُ تُقْطَعُ يَدُهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ -: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ وَبُرْدُهُمْ وَتَدْلِيسُهُمْ فِي الدِّينِ بِإِيهَامِهِمْ الْبَاطِلَ مَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِطُرُقِهِمْ.
فَإِنْ أَتَوْنَا فِي صَرْفِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ ظَاهِرِهَا بِبُرْهَانٍ مِثْلِ هَذَا وَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُونَا إلَّا بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ، وَبِالظَّنِّ الْفَاسِدِ، وَبِالتَّمْوِيهِ الْمُلْبِسِ، فَعَارُ ذَلِكَ وَنَارُهُ لَا زِمَانِ لَهُمْ، لَا لَنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جُمْلَةً.
وَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ، وَالْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَمْ يُدْرِكَاهُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّهُ ابْتَاعَهَا فِي مَرَضِهِ، فَأَجَازَ بَيْعَهُ وَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَرَهَا بِأَنْ تَسْعَى فِي ثَمَنِهَا لِلْغَرِيمِ.
وَفِي الْأُخْرَى أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَتَقَ، ثُلُثَهُ - وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَاعَى مَا أَبْقَى لَهُ غِنًى.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ - هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ جَارِيَةً لَهَا لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرُهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا - فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ رَأَى السَّعْيَ فِي قِيمَتِهَا إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ أَصْلًا، فَعَادَ فِعْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ - لَوْ صَحَّ - حُجَّةً عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ وَلَا فِعْلِهِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَلَاحَ خِلَافُهُمْ لَهُ؟