وَالْحَطَبُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ، وَلَكِنْ لَا النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ الْمَوْضُوعُ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَضَى بِالْمَوَاتِ لِمَنْ أَحْيَاهُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْإِمَامُ الَّذِي لَا إمَامَةَ لِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] فَهُوَ إمَامُنَا نُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَجَمِيعَ عِبَادِهِ، لَا إمَامَ لَنَا دُونَهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لَا يَدْعُونَا مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِ فَمَنْ اتَّخَذَ إمَامًا دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُغَلِّبُ - حُكْمَهُ عَلَى حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَيُرَدُّ وَيُعْلَمُ - وَنَحْنُ إلَى اللَّهِ مِنْهُ بُرَآءُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ قَسَّمَ تَقْسِيمًا لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سَنَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ.
وَأَعْجَبُ شَيْءٍ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْمَوَاتَ الْقَرِيبَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطُّ مَالِكٌ لِمَنْ أَحْيَاهُ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَعَلَ الْمَالَ الْمُتَمَلَّكَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَجَعَلَهَا مِلْكًا لِمَنْ أَخَذَهَا كَالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي الْمَوَاتِ يُعَمَّرُ ثُمَّ يُتَشَغَّرُ، وَمِثْلُ الصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ، وَمَا وَجَبَ سُقُوطُ الْمِلْكِ بِالتَّوَعُّرِ وَالتَّوَحُّشِ لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِرَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.
وَأَيْضًا فَلَا يَخْلُو مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ أَوْ تَشَاحَّ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ، أَوْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَحَدًا، وَلَا أَنْ يَضُرَّ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَعِيدِ عَنْ الْعُمْرَانِ؟ فَصَحَّ أَنْ لَا مَعْنَى لِلْإِمَامِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا: وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ أَبِي يُوسُفَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَفَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، فَهُوَ سَاقِطٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ - عَنْ اللَّيْثِ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ - هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» .