بِقَطِيعَةِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا حِمَى مَا كَانَ فِي الصَّحَارِي وَغَيْرِ الْعُمْرَانِ فَهُوَ لِمَنْ أَحْيَاهُ فَإِنْ تَرَكَهُ يَوْمًا مَا حَتَّى عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَدْ صَارَ أَيْضًا لِمَنْ أَحْيَاهُ وَسَقَطَ عَنْهُ مِلْكُهُ وَهَكَذَا قَالَ فِي الصَّيْدِ يُتَمَلَّكُ ثُمَّ يَتَوَحَّشُ فَإِنَّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أُذُنِهِ شَنْفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَالشَّنْفُ الَّذِي كَانَ لَهُ وَالصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَيْسَ الْمَوَاتُ إلَّا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَقَطْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ فَهُوَ لَهُ، وَلَا مَعْنَى لِإِذْنِ الْإِمَامِ، إلَّا أَنَّ حَدَّ الْمَوَاتِ عِنْدَهُ مَا إذَا وَقَفَ الْمَرْءُ فِي أَدْنَى الْمِصْرِ إلَيْهِ ثُمَّ صَاحَ لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ، فَمَا سُمِعَ فِيهِ الصَّوْتُ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُ: كَقَوْلِنَا.
فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: نَزَلْنَا دَابِقَ وَعَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَتَلَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَتِيلًا مِنْ الرُّومِ فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَ سَلَبَهُ فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ السَّلْبَ لِلْقَاتِلِ؟ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَهْ يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ الْمَوَاتُ لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ أَشْبَهَ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْأَثَرُ فَمَوْضُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ - ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ فَأَبَاحُوا الصَّيْدَ لِمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا لِأَنَّ فِي التَّابِعِينَ مَنْ مَنَعَ مِنْ الصَّيْدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ - وَلَا يُعَارَضُ بِمِثْلِ هَذَا الْأَثَرِ الْكَاذِبِ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَبِالْأَرْضِ لِمَنْ أَحْيَاهَا.
وَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ ذَلِكَ بِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَمْوَالٌ مَمْلُوكَةٌ، أُخِذَتْ بِجِزْيَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ مَالٍ كَانَ لَهُ رَبٌّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَبَّهَ مَا لَمْ يُعْرَفْ أَكَانَ لَهُ رَبٌّ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَبٌّ بِمَا يُوقَنُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ رَبٌّ.
لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهَا رَبٌّ بِالصَّيْدِ