الْجَاحِدِ، إذْ يَقُولُونَ: إنَّ كِرَاءَ الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَحَلَالٌ لَهُمْ، فَلَوْ اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ.
وَاحْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَاضِي مَرْوَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ فَهُوَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ» وَأَبُو عِصْمَةَ كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْآخَرُ: مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ سَنْدَلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَالُهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ» وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ ضَعِيفٌ جِدًّا.
ثُمَّ لَوْ صَحَّا - وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ - لَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدًا وَكَانَ هَذَانِ مُوَافِقَيْنِ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ.
وَالْعَجَبُ مِنْ أَصْلِهِمْ الْخَبِيثِ أَنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى رِوَايَةً ثُمَّ خَالَفَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِهَا - وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ الْمَكْذُوبَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ: فَهَلَّا جَعَلُوا ذَلِكَ عِلَّةً فِيهِمَا، وَلَكِنَّ أُمُورَهُمْ مَعْكُوسَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ: «غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا» وَغَيْرُ ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ الْمَكْذُوبَةِ فِي أَنَّ الرَّاوِيَ لَهَا تَرَكَهَا، ثُمَّ لَا يَرَوْنَ رَدَّ الرِّوَايَاتِ الْمَوْضُوعَةِ بِأَنَّ مَنْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا، فَتَعَسًا لِهَذِهِ الْعُقُولِ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ.
وَقَالُوا: لَا يَخْلُو الْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ مَا اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَشِرَاؤُهُ بَاطِلٌ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ فِيهِ رُجُوعٌ، وَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ كَسَائِرِ مَالِهِ.