جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَهَذَا هُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالتَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخْتَلَفِ عَنْهُ فِيهِ هَاهُنَا حُجَّةً فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ قَوْلُهُ هُنَالِكَ حُجَّةً فَلَيْسَ هَاهُنَا حُجَّةً.
ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَوْلٌ لَا يَحِلُّ اتِّبَاعُهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَنَهْيٌ عَنْ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَا بُرْهَانٍ أَوْ إبَاحَةٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا كَذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1252 - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ وَلَا عَلَى تَقَاوُمِهِمَا الشَّيْءَ الَّذِي هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ أَصْلًا كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْحَيَوَانِ، لَكِنْ يُجْبَرَانِ عَلَى الْقِسْمَةِ إنْ دَعَا إلَيْهَا أَحَدُهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمْ، أَوْ تُقْسَمُ الْمَنَافِعُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ لَا تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ وَمَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَبِعْ حِصَّتَك وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ، وَكَذَلِكَ شَرِيكُك إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ بِلَا شَيْءٍ مِنْ النَّفْعِ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ لِوَاحِدٍ - كَانَ أَوْ لِشَرِيكَيْنِ - فَصَاعِدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَكَا لِتِجَارَةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ هَاهُنَا خَاصَّةً مَنْ أَبَاهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُخْرِجَ مَالَ أَحَدٍ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُ، وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ إخْرَاجٌ لِلْمَالِ عَنْ صَاحِبِهِ إلَى مَنْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا ظُلْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ تَرْكَ أَحَدِهِمَا الْبَيْعَ ضَرَرًا بِانْتِقَاصِ قِيمَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ؟ قُلْنَا: لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، بَلْ الضَّرَرُ كُلُّهُ هُوَ أَنْ يُجْبَرَ الْمَرْءُ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ، فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الْمُحَرَّمُ، لَا ضَرَرُ إنْسَانٍ بِأَنْ لَا يُنَفِّذَ لَهُ هَوَاهُ فِي مَالِ شَرِيكِهِ.
وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ أَوْ دَارٌ صَغِيرَةٌ إلَى جَنْبِ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِغَيْرِهِ لَوْ بِيعَتَا مَعًا لَتَضَاعَفَتْ الْقِيمَةُ لَهُمَا، وَإِنْ بِيعَتَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ: