يَرْضَخُونَ لَهُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ، وَابْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّحْوِيِّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَبْدُ اللَّهِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّهَا نَدْبٌ؟ قُلْنَا: أَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاكِ فَقَوْلٌ يُسْتَغْنَى عَنْ تُكَلِّفْ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهِ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُمَا: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمْ؟ وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَا قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ هَذَا؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّجَوِيِّ نا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ نا أَبُو صَالِحٍ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ وَيَتَامَاهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ حَكَمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي مِيرَاثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِعِلْمِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تُنْكِرْ ذَلِكَ.
وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْتِي إلَى مَا قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلٌ قَدْ صَحَّ بُرْهَانُهُ بِإِنْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَكُلُّ مَا خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ حُكْمُ جَاهِلِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُفْتَرًى مِنْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نَسَخَهُ بِغَيْرِهِ، كَالصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَرَبُّصِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَوْلًا، وَالْتِزَامِ السَّبْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتِي فَيَحْتَجُّ بِقَوْلٍ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ