مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ جَمِيعُ الْمُحْتَجِّينَ بِهَا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهَا، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ لَا يُجِيزُونَ الْكَفَالَةَ فِي الرِّدَّةِ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ، وَلَا يَرَوْنَ التَّغْرِيبَ عَلَى الْمُرْتَدِّ إذْ تَابَ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانًا يُمَكِّنُهُمْ فِيهِ دَعْوَى نَسْخٍ بَلْ هِيَ أَحْكَامٌ مَجْمُوعَةٌ: إمَّا صَوَابٌ وَحُجَّةٌ، وَإِمَّا خَطَأٌ وَغَيْرُ حَجَّةٍ: الْكَفَالَةُ بِالْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَفِي الرِّدَّةِ، وَالتَّغْرِيبُ فِي الرِّدَّةِ وَجَلْدُ الْجَاهِلِ الْمَحْضِ فِي الزِّنَى مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلَا يُرْجَمُ، فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ كَيْف يَسْتَحِلُّ مَنْ لَهُ مُسْكَةُ حَيَاء أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ؟ . وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّمَا هِيَ أَنَّهُمَا كَفَلَا فِي حَدٍّ وَدَمٍ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْكَفَالَةَ فِيهِمَا أَصْلًا، وَهِيَ بَعْدُ عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ - وَهُوَ كَذَّابٌ -.
وَلَا يُعْرَفَ هَذَا أَيْضًا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرُوا مِنْ هَذِهِ التَّكَاذِيبِ إجْمَاعًا كَمَا زَعَمُوا فَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُخَالِفَةِ الْإِجْمَاعِ، فَسُحْقًا وَبُعْدًا لِمَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، نَقُولُ فِيهِمْ: كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالضَّلَالِ: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11]
وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إلَّا إنَّ أُولَئِكَ نَادِمُونَ، وَهَؤُلَاءِ مُصِرُّونَ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَطْ، وَأَيْنَ هَذِهِ مِنْ صَلَاةِ مُعَاذٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إمَامَتِهِ قَوْمَهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلِمَةَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَخَلْفَهُ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا مُسَمَّوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ سِوَى سَائِرِ أَصْحَابِ الْمَشَاهِدِ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَرَوْا هَذَا إجْمَاعًا، بَلْ رَأَوْهَا صَلَاةً فَاسِدَةً، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هِيَ وَاَللَّهِ صَلَاةٌ مُقَدَّسَةٌ فَاضِلَةٌ، حَقٌّ، وَصَلَاةُ الْمُخَالِفِينَ لَهَا هِيَ الْفَاسِدَةُ حَقًّا.
وَأَيْنَ هَذَا مِنْ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَرْضَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ يُقِرُّونَهُمْ [بِهَا] كَمَا شَاءُوا، وَيُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا؟ فَلَمْ يَرَوْا هَذَا إجْمَاعًا، بَلْ رَأَوْهُ مُعَامَلَةً فَاسِدَةً مَرْدُودَةً، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا،