قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي احْتِجَاجِ مَنْ احْتَجَّ بِهَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى رِقَّةِ دِينِ الْمُحْتَجِّ بِهِ وَلَا مَزِيدَ وَعَلَى قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْفَضِيحَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْخِزْيِ الْآجِلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.
أَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خُثَيْمَ بْنِ عِرَاكٍ، وَهُوَ وَأَبُوهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، لَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا، وَمَعَاذَ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا بِتُهْمَةٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَالتُّهْمَةُ ظَنٌّ.
وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكْفُلَ إنْسَانٌ بِتُهْمَةٍ لَوَجَبَ الْكَفِيلُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، إذْ لَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ يُقْطَعُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ التُّهْمَةِ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَالْمُحْتَجُّونَ بِهَذَا الْخَبَرِ لَا يَقُولُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْكَفَالَةِ فِي التُّهْمَةِ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ يُطْلِقُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ يُخَالِفُ كُلَّ مَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَيَرَى الْحُكْمَ بِمَا فِيهِ جَوْرًا وَظُلْمًا؟ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِثْلِ هَذَا.
وَأَمَّا خَبَرُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا فِيهِ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْجَاهِلُ فِي وَطْءِ أَمَةِ امْرَأَتِهِ مِائَةً، وَلَا أَنْ يُدْرَأَ الرَّجْمُ عَنْ الْجَاهِلِ فَكَيْف يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يَحْتَجُّوا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعَمَلٍ هُوَ عِنْدَهُمْ جَوْرٌ وَظُلْمٌ، أَمَا فِي هَذَا عَجَبٌ وَعِبْرَةٌ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ.
وَأَيْضًا: فَكُلُّهُمْ لَا يُجِيزُ الْكَفَالَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَهَذَا الْخَبَرُ إنَّمَا فِيهِ الْكَفَالَةُ فِي حَدٍّ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْعَجَائِبِ؟ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ - فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ هِيَ أَنْوَارُ الْهُدَى لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِمْ، وَلَا ذَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ كَفَالَةً إلَّا إسْرَائِيلَ وَحْدَهُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَوْ كَانَ ثِقَةً مَا ضَرَّ رِوَايَتَهُ مَنْ خَالَفَهَا