وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ: إنْ كَانَ مُوسِرًا كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِقِيمَتِهَا فَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا وَتَخْرُجُ هِيَ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ إلَيْهِ وَتَأْتِيه فَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا تُتْبَعُ بِغَرَامَةٍ وَلَا يُكَلَّفُ هُوَ رَهْنًا مَكَانَهَا، وَلَكِنْ يُتْبَعُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ تَسَوَّرَ عَلَيْهَا بِيعَتْ هِيَ وَأُعْطِيَ هُوَ وَلَدَهُ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا الْقَوْلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ مِنْ الْخَطَإِ -: وَهِيَ: تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُعْسِرِ، وَالْمُوسِرِ، فِي ذَلِكَ وَالْحَقُّ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ.
وَتَكْلِيفُهُ إحْضَارَ قِطْعَةٍ مِنْ مَالِهِ لِتُرْهَنَ لَمْ يَعْقِدْ قَطُّ فِيهَا رَهْنًا.
وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ خُرُوجِهَا إلَى سَيِّدِهَا وَبَيْنَ تَسَوُّرِهِ عَلَيْهَا.
وَهُمَا آمِنَةٌ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ مَرْهُونَةٌ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
وَبَيْعِهِ إيَّاهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، وَإِخْرَاجِهِ وَلَدَهَا مِنْ حُكْمِ الرَّهْنِ بِلَا تَكْلِيفِ عِوَضٍ بِخِلَافِ الْأُمِّ، وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُمَا.
وَكُلُّ هَذِهِ أَوْجُهٌ فَاحِشَةُ الْخَطَإِ لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا فِيهَا بِقُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا دَلِيلٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ - نَعَمْ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ إنْ حَمَلَتْ فَأَقَرَّ بِحَمْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ قَضَاءَ الدَّيْنِ إنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ كُلِّفَ رَهْنًا بِقِيمَتِهَا إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ.
فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كُلِّفَتْ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي الدَّيْنِ الْحَالِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهَا، وَلَا يُكَلَّفُ وَلَدُهَا سِعَايَةً، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ كُلِّفَتْ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا فَقَطْ، فَجَعَلَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا، فَإِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ كُلِّفَتْ مِنْ ذِي قَبْلِ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي بَاقِي الدَّيْنِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا.
قَالُوا: فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ اسْتَلْحَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ وَضْعِهَا لَهُ - وَهُوَ مُعْسِرٌ - قَسَّمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ ارْتَهَنَهَا، وَعَلَى قِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ اُسْتُلْحِقَ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ سَعَتْ فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ تَرْجِعْ بِهِ عَلَى سَيِّدِهَا، وَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ سَعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَتِهِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى أَبِيهِ وَيَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ ذَلِكَ.
قَالُوا: فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ فِيهِ الْعِتْقُ، وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ.