فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الِارْتِهَانَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ، وَدَعْوَاهُ فَاسِدَةٌ إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، بِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُ.
قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] .
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ -: فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: الْعِتْقُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ مُوسِرًا نَفَذَ عِتْقُهُ وَكُلِّفَ قِيمَةً يَجْعَلُهَا رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الْعِتْقُ نَافِذٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا كُلِّفَ قِيمَتَهُ تَكُونُ رَهْنًا، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا لَمْ يُكَلَّفْ قِيمَتَهُ، وَلَا كُلِّفَ الْعَبْدُ اسْتِسْعَاءً وَنَفَذَ الْعِتْقُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعِتْقُ نَافِذٌ بِكُلِّ حَالٍ، ثُمَّ قَسَّمَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ رَهَنَ أَمَةً لَهُ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ رَهْنًا آخَر مَكَانَهَا، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا، فَمَرَّةً قَالَ: تَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يُكَلَّفُ رَهْنًا مَكَانَهَا وَلَا تُكَلَّفُ هِيَ شَيْئًا - وَمَرَّةً قَالَ: تُبَاعُ إذَا وَضَعَتْ وَلَا يُبَاعُ الْوَلَدُ، وَتَكْلِيفُ رَهْنٍ آخَر -: وَالتَّفْرِيقُ هَاهُنَا بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعَسِّر، وَبَيْعِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا دُونَ وَلَدِهَا - أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا يُكَلَّفُ لَا هُوَ وَلَا هِيَ شَيْئًا سَوَاءٌ مُعَسِّرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا.
وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهَا تُبَاعُ هِيَ، وَيُكَلَّفُ سَيِّدُهَا أَنْ يُفْتِك وَلَدَهُ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: افْتِكَاكُ الْوَلَدِ لَا نَدْرِي وَجْهَهُ، وَلَئِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلِأَيِّ مَعْنَى يُكَلَّفُ وَالِدُهُ افْتِكَاكَهُ؟ وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلِمَ يُبَاعُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى افْتِكَاكِهِ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ: أَنَّهَا تُسْتَسْعَى - وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا أُعْتِقَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ: وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ حَلَّ أَخْذُ مَالِهِمَا وَتَكْلِيفِهِمَا غَرَامَةً لَمْ يُكَلِّفْهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إيَّاهَا، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا شِرْكًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيُسْتَسْعَى لَهُ؟