المحلي بالاثار (صفحة 2490)

لَا انْتِفَاعُ الرَّاهِنِ بِمَالِهِ وَلَا انْتِفَاعُ الْمُرْتَهِنِ بِالدَّرِّ، وَالرُّكُوبِ الْمُبَاحَيْنِ لَهُ بِالنَّصِّ مِنْ أَجْلِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ.

وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْتَفِعَ الرَّاهِنُ مِنْ رَهْنِهِ بِشَيْءِ؟ قَالُوا: وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا يَأْتُونَ بِهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ فِي بِلَادِهِمْ بَعْضَ الْعُذْرِ لَهُمْ، إذْ يَحْتَجُّونَ بِتَرْكِ الصَّاحِبِ لِمَا رُوِيَ حَتَّى أَتَوْنَا بِتَرْكِ السُّنَّةِ مِنْ أَجَلِ تَرْكِ الشَّعْبِيُّ لَهَا.

وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَخْذَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَئِنْ مَشَوْا هَكَذَا، لِيَكُونَنَّ تَرْكُ مَالِكٍ لِلْأَخْذِ بِمَا رُوِيَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، وَلَيَكُونَنَّ تَرْكُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، وَهَكَذَا سُفْلًا حَتَّى يَكُونَ تَرْكُ كُلِّ أَحَدٍ لِلْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَلَغَهُ حُجَّةً قَاطِعَةً فِي رَدِّهِ.

وَهَذَا مَذْهَبُ إبْلِيسَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ، وَلَا كَرَامَةَ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحُجَّةُ عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ.

وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِمَنْ خَالَفَ مَا رُوِيَ عَنْ صَاحِبٍ فَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ خَاصَّةً أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ النِّسْيَانُ أَوْ التَّأْوِيلُ الَّذِي أَخْطَئُوا فِيهِ قَاصِدِينَ لِلْخَيْرِ، فَيُؤْجَرُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ اعْتَقَدَ جَوَازَ مُخَالَفَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ وَالْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ قَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَشُرَيْحٍ: أَنْ لَا يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءِ مِنْ الرَّهْنِ - وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَعَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ.

بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ: لَا يَنْتَفِعُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءِ - وَهَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانُوا عَنَوْا الْمُرْتَهِنَ وَبِهِ نَقُولُ إلَّا الْحَلْبَ، وَالرُّكُوبَ إنْ أَنْفَقَ فَقَطْ، وَإِلَّا فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015