وَحَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ وَمِلْكُ الشَّيْءِ الْمُرْتَهَن بَاقٍ لِرَاهِنِهِ بِيَقِينِ وَبِإِجْمَاعِ لَا خِلَافَ فِيهِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَحَقُّ الرَّهْنِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ يُنْقَلُ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ لَا يُوجِبُ حُدُوثَ حُكْمٍ فِي مَنْعِهِ مَا لِلْمَرْءِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ بِذَلِكَ، فَلَهُ الْوَطْءُ، وَالِاسْتِخْدَامُ، وَالْمُؤَاجَرَةُ، وَالْخِيَاطَةُ، وَأَكْلُ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ، وَالْوَلَدُ الْحَادِثُ، وَالزَّرْعُ، وَالْعِمَارَةُ، وَالْأَصْوَافُ الْحَادِثَةُ، وَالسُّكْنَى، وَسَائِرُ مَا لِلْمَرْءِ فِي مِلْكِهِ، إلَّا كَوْنَ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَطْ، بِحَقِّ الْقَبْضِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَا مَزِيدَ.
وَأَمَّا الرُّكُوبُ، وَالِاحْتِلَابُ خَاصَّةً، لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَى الْمَرْكُوبِ، وَالْمَحْلُوبِ -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ: النَّفَقَةُ»
وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَالرَّهْنُ بِلَا شَكٍّ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَدَا الرَّاهِنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الِارْتِهَانِ، فَدَخَلَ بِهِ فِي هَذَا الْعُمُومِ وَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ عَدَاهُ بِالنَّصِّ الْآخَرِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، وَالْمَعْقُولَ -: أَمَّا الْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ فَمَنْعُهُ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ مَنَافِعِ مَالِهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] فَقَدْ أَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَطْءِ أَمَتِهِ، وَلَمْ يَخُصَّ غَيْرَ مَرْهُونَةٍ مِنْ مَرْهُونَةٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]
وَقَالَ تَعَالَى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]