إسَاءَتِهِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - لَا يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ هَذَا الْخَبَرُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ، فَطَرِيقُ سُفْيَانَ لَا تَصِحُّ، فَإِنْ صَحَّتْ طَرِيقُ حَمَّادٍ فَلَيْسَ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُ بِالْإِخْلَاصِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كُلُّ شَرِيعَةٍ تُوجَدُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ - وَلَا شَكٍّ فِي أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَهَا ذِكْرٌ، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ حُجَّةً فِي سُقُوطِهَا فَسُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ فِي سُقُوطِهَا وَلَا بُدَّ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ؟ قُلْنَا: وَقَدْ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَنَقُولُ لَهُمْ: إنْ كَانَ سُكُوتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا حُجَّةً فِي إسْقَاطِهَا فَسُكُوتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذِكْرِ سُقُوطِهَا حَجَّةٌ فِي إيجَابِهَا وَلَا فَرْقَ - وَهِيَ دَعْوَى كَدَعْوَى؛ فَالْوَاجِبُ طَلَبُ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي نَصٍّ غَيْرِ هَذِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] فَحَقٌّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحِفْظَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُوَاقَعَةِ الْيَمِينِ فَكَذِبٌ، وَافْتِرَاءٌ، وَبُهْت، وَضَلَالٌ مَحْضٌ، بَلْ حِفْظُ الْأَيْمَانِ وَاجِبٌ قَبْلَ الْحَلِفِ بِهَا، وَفِي الْحَلِفِ بِهَا، وَبَعْدَ الْحَلِفِ بِهَا، فَلَا يَحْلِفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا عَلَى حَقٍّ.
ثُمَّ هَبْكَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالُوا، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] إنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا؟ وَهَلْ هَذَا مِنْهُمْ إلَّا الْمُبَاهَتَةَ وَالتَّمْوِيهَ، وَتَحْرِيفَ كَلَامِ اللَّهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَشُكُّ كُلُّ ذِي مَسْكَةِ تَمْيِيزٍ فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا فَمَا حَفِظَ يَمِينَهُ - فَظَهَرَ فَسَادُ كُلِّ مَا يُمَخْرِقُونَ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَبَاطِلٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ.
فَإِنْ ذَكَرُوا «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ» .
فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهِيَ: